أهم 5 أسباب لكثرة الطلاق في أيامنا

تعاني المجتمعات عالميًّا في أيامنا من ظاهرة الطلاق وعدم استمرار الأسر وفشل الزوجين في استمرار إقامة علاقة تقوم على أن هذه الأسرة بناء مقدّسٌ لا يهدم إلا بمصيبة تجعل الحياة بسببها شبه مستحيلة، وكنا سابقا نقول إن المجتمع الغربي يعاني من اضمحلال وجود الأسرة بسبب التحلل الأخلاق وإشباع الغريزة الجنسية دون الحاجة إلى زواج، وبسبب سيطرة المادة وثقافة السوق التجارية، وتقديس الفرد لذاته بحيث لم يعد بإمكان المرأة أن تتحمل شخصًا يتحكّم بتصرفاتها ويتدخّل في قراراتها، ولكن الأمر اليوم نراه في مجتمعاتنا الإسلامية والشرقية عامّة، حيث إننا نسمع كلّ يومٍ بقصة طلاق وخلاف بين شخصين لأمور تثير الاستغراب؛ حيث إنها بالمجموع يقال عنها لا تستحق أن تكون سببا للطلاق، ومرّت فترة كنا نسمع فيها أن الطلاق يكثر عند الممثلين والمغنين؛ لأن علاقاتهم تقوم على أساس المصلحة أولقضاء الشهوة وحسب، ولكن الإحصاءات التي نراها في معظم الدول العربية تثبت أن الطلاق لا يقتصر على فئة مجتمعية دون أخرى، بل هي تعم المجتمعات العربية عموما، وسنحاول في هذا المقال استعراض أهم خمسة أسباب تهدم الأسر في أيامنا وتجعل الزواج ميتا لا يمكن إحياؤه من جديد، بين طرفين اتفقا على علاقة أبدية.

أهم أسباب الطلاق:

1- عدم قناعة أحد الطرفين بالآخر:

توجد مشكلة في بناء الحياة الأسرية وللأسف لم تنته إلى الآن في مجتمعاتنا الشرقية، ألا وهي تزويج طرفين مع عدم قناعة أحد الطرفين بالآخر، مثل أن يفرض الأب على ابنته الزواج من أحد أقاربها، أو من أحد من يجد هو قناعة به دون النظر إلى رأي ابنته، وهذا يؤدّي إلى أمر خطير في المستقبل، حيث ستبقى هذه البنت تشعر أنها لم تأخذ الشخص الذي يناسبها؛ حتى لو كان ممتعا بالخلق والحسب والجمال، إلا أنّ عدم قناعة البنت به ستؤدي إلى أن تعامله معاملة الدون وهذا ربما يتحمله الزوج مرّة أو مرتين، ولكن مع طول الزمن قد يؤدّي هذا التعامل البارد إلى الانفجار، وذكرنا موضوع إجبار المرأة ليس لأنه لا يوجد إجبار الشباب على الزواج من قتاة لا يقبل بها، ولكن لأن الغالب هو إجبار الفتيات كونهن في مجتمعاتنا يمثلن الدائرة الأضعف.

وعدم القناعة لا يكون بالإجبار وحسب، بل إن أحد الشخصين قد يهيم عشقا بالطرف الآخر، ويجعله بمكانة المعبود، وهذا يؤدي إلى زهد الطرف المعشوق بالطرف العاشق، فحتى لو بدأت العلاقة طبيعية، إلا أن مبالغة أحد الطرفين في الخضوع وإذلال نفسه تجعل الطرف الآخر زاهدًا به، وهذا ينقل الحياة من حياة زوجية طبيعية إلى حياة متوترة قابلة للإنهاء في أيّ لحظة.

2- تدخل أسرة أحد الطرفين:

هذا السبب أكثر ما يكون عند الأسر التي لا تعطي مساحة من الخصوصية للعلاقة الزوجية، بحيث يكثرون من الأسئلة من مثل كيف وجدت ابننا، أو كيف وجدت ابتنا، ثم ينتقل الأمر رويدا رويدا إلى الدخول في تفاصيل العلاقة الزوجية بين الزوج وزوجته، بحيث ترى بعض الأسر تسأل عن الإبرة في البيت إلى العلاقة بالأبناء إلى معاملة الزوج لزوجته، أو الزوجة لزوجها، وخاصة عند الأسر المادية التي تغرّها المظاهر ولا يهمها نجاح الحياة الزوجية، بحيث تكون مشغولة دائما بمظهر ابنتهم أو ابنهم أمام المجتمع أي مراعاة ما بات يعرف بالبريستيج الاجتماعي، فاللباس يجب ألا يقل عن الزوجة الفلانية، والبيت لا يكون أقل من بيت جارتها أو صاحبتها، وكذلك الكلمات والمعاملات، حتى اللغة بين الزوجين يمكن أن تقارن، كأن يقال ما شاء الله كيف فلان يكلم زوجتهن ويحادثها ويحاورها وهذا يعد لمزا بصهرهم وكأنه لا يعرف كيف يكلم ابنتهم، وبالمقابل أيضا قد يقارن أهل الزوج بين زوجته وزوجة صديقه أو قريبه كأن يقال أمام زوجته إن زوجته ما شاء الله عليها لا تنقص زوجها شيئا، وتعمل مع بيت عمها وكأنها ابنتهم، وتشارك في الأحزان والأفراح وكأنها جزءٌ منهم.

والطامة الكبرى عندما يتدخل الأهل بتربية الأبناء كأن يأخذوا الأطفال إليهم ويحرموا أحد الأبوين من حق الأبوة والتربية، بل قد تجد بعض الأسر يفعلون هذا ليس حبًّا بالأبناء، بل شكًّا في أهلية الأب وقدرته على تربية أبنائه التربية السوية، التي تتفق مع بريستيجيهم ونرجسيتهم، هذه الأسر يطلق عليها في العرف الاجتماعي أصحاب الدم الأزرق، الذين يشعرون دائما وأبدا أنهم خير خلق الله إنسانا، بحيث لا يقتنوعن أن هناك من يفضلهم، أو يساويهم في هذه الحياة.

مثل هذا الأمر لا شك سيؤدي بالزوج أو الزوجة إلى مرحلة اللاتحمل وطلب الطلاق من الزوجة أو فعله من الزوج بحسب من يعاني من هذه الظاهرة المميتة والقاتلة للحياة الزوجية.

3- المادة والاستقلال المالي:

في كتب اسمه (British Life) الحياة البريطانية الذي يتحدث عن الحياة في بريطانية، يتعرض الكتاب لموضوع الزواج ويعرض إحصاءات خطيرة لأعداد حالات الطلاق في المجتمع البريطاني، ثم يذكر الكتاب أن إحدى الإذاعات نشرت استطلاع رأي طلبت فيه من السامعين أن يرسلوا آراءهم في سبب كثرة الطلاق وعزوف الشباب من الجنسين عن الزواج، فكان الردّ المفاجئ أنه جاء من امرأة قالت فيه: إن الحياة الزوجية في بريطانية قبل الثورة الصناعية، كانت تقوم على أساس أن زوجا يخرج ويكافح من أجل لقمة العيش لأسرته، وكان حال عودته إلى بيته يجد زوجته مهيئة له طعامه ومستعدة لسماع همومه، مثل مشكلاته مع مديره في العمل أو زملائه، ولكن بعد أن دخلت المرأة سوق العمل وصارت مسؤولة مثلها مثل الرجل في البيت وصارت تعودد منهكة من عملها بدأ الحوار بينها وبين زوجها يتبدّل ويتغير بحيث صار الزوج إذا أراد أن يشكو له تجيبه لا تشكو لي فهمومي أكثر من همومك، يعني كما في التعبير العربي العامي(لا تشك إلي أبكِ لك) أي أن ما في يكفيني، وهكذا أصبحت العلاقة الزوجية تفقد بريقها وسكينتها، وصار الزوج يبحث عن أنثى تعوّضه عما فقده عند زوجته، ورويدا رويدا تؤدي هذه البرودة في العلاقة الزوجية إلى الطلاق.

هذا الموضوع الآن نشاهده في عدد طلاق المتزوجين من المهاجرين، حيث إن السيدة تشعر باستقلاليتها المادية، وخاصة إذا كانت متزوجة بالأصل زوجها بدون قناعة فتراها تتحول إلى شخص غير قابللتدخل الزوج في تصرفاتها وتطلب الطلاق.

ومثله أيضا عند زوجين يكونان متصالحين متفاهمين، ثم فجأة وبعد تحول المرأة إلى إنسان منتج، وخاصة مع تدخل والديها وكثرة طلباتهم، وحرصم على أن تكون مستقلة في مالها، فحتى لو قبل الزوج بذلك، إلا أن المادة عندماتدخل في حياة الزوجين، فإن العلاقة تخرم بخرم قد يصبح شرخا لا يمكن إصلاحه؛ لأن العلاقة تصبح علاقة مصالح لا علاقة سكينة وبنء أسرة وتربية أولاد، بل علاقة تقوم على الربح و الخسارة، ومثل هذه العلاقات تنتهي بالطلاق؛ لأنها أصبحت علاقة تجارية تقوم إذا حصل الربح، وتنتهي فور الإحساس بالخسارة.

4- دخول طرف ثالث:

هذا السبب هو مؤدٍّ للسبب الخامس، وهذا الطرف الثالث ويمكن أن يكون صديقا أو صديقة.

أهم ما يميز الزواج أنه قلعة لا يسمح لأحد بتجاوز أسوارها، وفور وصول شخص غريب إلى هذه القلعة فإنها ستهدم إن عاجلا أو آجلا.

ولنبدأ بالصديق والصديقة، فمثلا قد يأمن الرجل لصديق فيحدّثه عن حياته الزوجية، ثم هذا الصديق يكون حاقدًا أو حاسدًا فيسعى إلى تدمير العلاقة الزوجية، وطبعا مثل هذا الشخص يظنه الرجل صديقا ولكنه شتان بينه وبين الصداقة؛ لأن الصديق لا يحسد ولا يحقد على صديقه.

في مثل هذه الحالة يبدأ هذا الحاقد بذكر بطولاته ورجولته أمام صديقه، ثم يبدأ الرجل بالمقارنة فيرى نفسه ضعيفا أمام زوجته، وهذا يؤدي مع الوقت إلى بدء المشكلات ومن ثم يقع الخطر الأكبر وهو الطلاق.

هذا الأمر يكون عند المرأة أكثر؛ وذلك لكثرة الصديقات اللاتي يحشرن أنوفهن بحياة زميلاتهن أو صديقاتهن من مثل: استعراضها لجمال معاملة زوجها لها وتدليله إياها، أو عرضها لحليها أم صديقتها وقولها زوجي اختار لي هذه الحلي، وكل مدة يهدينا هدية، أو من مثل زوجي لا يتدخل بي ويتركني على حريتي ولا يردّ لي طلب… هذه الكلمات هي شرارات ستشعل قلب من تسمح لنفسها بتصديق هذا الكلام، وكما قيل آفة الحياة المقارنات بالآخرين، فتبدأ الزوجة بمعاتبة زوجها ومقارنة حياتها بحياة صديقتها، ثم ينتقل الأمر إلى كلمات جارحة للزوج قد تؤدي في لحظة غضب عنده إلى أن ينهي العلاقة الزوجية بالطلاق.

5- الخيانة:

كما ذكرنا سابقا فإن هذا السبب يكون نتيجة لما سبقه، فبعد المقارنات ربما يفكر الزوج في الغالب بامرأة ثانية تحقق له رجولته بحسب ظنّه فيبدأ بالبحث عن امرأة ثانية، والخطورة أنه قد يجد في علاقة جسدية معها طريقا لإرضاء رجولته فيخون زوجته بالحرام دون الدخول في زواج جديد أحله الله له.

هذه الخيانة لا يقتصر الأمر فيها على المقارنة، بل ربما تكون نتيجة للأسباب السابقة كلها أو بسبب وجود أحدٍ منها حيث تؤدي هذه الأسباب إلى جعل قلب الرجل ومثله المرأة مهيئا لقبول فكرة الخياة التي لا يمكن قبولها لا في المجتمع المسلم ولا الشرقي ولا الغربي فهي تعلن نهاية العلاقة الزوجية فور حصولها. والطلاق سيكون هو الحل لجرح لن ينسى مدى الحياة فلا جرح يعدل جرح الخيانة.

وأخيرا نقول إن علاج ظاهرة الطلاق يبدأ من النقطة الأولى من لحظة التفكير بالزواج بحيث يحسن الزوج اختيار زوجته، وتحسن الزوجة اختيار زوجها، ثم بعد الزواج يحذران الحذر كله من السماح لسبب من الأسباب السابقة أن يدخل حياتهما، بل يتّفقان على المصارحة فورا ومحاولة حلّ هذا الأمر قبل أن يتعدى حدود قلعتهما الزوجية، فأمر الزوجين متى ما خرج من بين أيديهما يصعب بعدها إصلاح أثره وما يترتب عليه من تدخلالآخرين وتبعات هذا التدخل على كلٍّ من الزوج والزوجة.