الجامعات الوهمية تجارة بالقيم واستغلال لأحلام الشباب
تعد الجامعات تتويجا لتطور فكر الإنسان ومحاولته إعمار هذا الكون بما يخدم البشرية ويقدم لمسيرة سلاسل الحضارات مزيدا من التقدّم والرقي، ولأهمية الجامعات قيل عن ساحتها ومدخلها وما هو داخل سورها (الحرم الجامعي) فأعطى هذا المصطلح هالة من التقدير والاحترام لمن يدخل هذا المكان،وكأنه يمثل الطهارة العقلية والنقاء الفكري.
فهي المكان الذي سيخرّج أمناء على الإنسانية سواء أكانوا أطباء يعالجون أجساد البشر، أم مهندسين يبنون منشآت لحياتهم، أو صيادلة يركبون الأدوية، أو محامين يسعون في تحصيل الحقوق، أو أساتذة يبنون فكر الأجيال، فعلا إنها بهذه الصورة تمثّل حرمًا طاهرا إذا تحققت فيها الغاية التي وجدت لأجلها.
ولكن للأسف استغلت هذه الأماكن وخاصة في البلدان المتخلفة من قبل أناسٍ وجدوها ساحة لتنفيذ مكرهم وخداعهم، فأنشؤوا جامعات لا قيمة لها ولا أساس قانوني لشهاداتها.
ماهي الجامعات الوهمية:
الجامعات الوهمية بالمختصر أمكنة ينشئها أناس على الأرض بدون أي اعتراف بها من قبل الدولة التي ينشئونها على أرضها أو من باقي وزارات التعليم العالي في العالم، وهذ الجامعة قد تكون ببناء على الأرض، أو بمنصة على الإنترنت وتدعي أنها تنتمي لدولة من الدول الغربية.
ويمكن للإنسان أن يتعرف على الجامعات ومستواها والدول التي تتبنها من خلال الدخول إلى مؤسسات التصنيف العالمية التي تحدد مستوى الجامعة وترتيبها عالميًّا.
أهم مؤسسات تصنيف الجامعات عالميًّا:
ومع بدء الجامعات قُنِّنتِ العلوم والمعارف ولم تعد كثيرٌ من المهن يسمح لصاحبها ممارستها إلا بالحصول على شهادةٍ تمثِّل حكمًا قانونيًّا يؤهِّل حامله بدخول ساحة العمل في التّخصص الذي حصَّلَ معارف فيه، ويمكن القول إن هذه الجامعات تُعدُّ فتحًا إنسانيًّا؛ ولهذا كان المستعمر يسعى إلى الحؤول دون وجودها في البلدان التي استباحها؛ كي لا يوجد جيلٌ يبدِّدُ ظلام المستعمر ويؤمِنُ بحقه في حكم بلاده، بل ويكون له دورٌ في نهضتها ومن هنا حَرصَتِ الدّول على القيمة المعرفية التي تقدمها جامعاتها ووجِدت مؤسساتٌ تُعني بتصنيف الجامعات دوليًّا، ومن أشهر هذه التّصنيفات:
– التصنيف الأكاديمي لجامعات العالم، وهو ترتيبٌ صُنف من قِبَلِ معهد التّعليم العالي التّابع لجامعة شانغهاي جياو تونغ.
– تصنيف Webometrics العالمي للجامعات وهو أكبر نظامٍ لتقييم الجامعات العالمية حيث يغطّي أكثر من 20,000 جامعة وينشر منهم 12,000 جامعة. ويصدُر في إسبانيا عن المجلس العالي للبحث العلمي.
– تصنيف الجامعات العالمي QS وهو تصنيفٌ سنوي لأفضل 800 جامعة في العالم والذي ينشر على يد شركة كواكواريلي سيموندس Quacquarelli Symonds المختصة بالتعليم.
التصنيف التسلسلي للجامعات هو نوعٌ من أنواع إظهار مدى جودة التعليم، وهذا يعني جودة المـُنتَج الذي تصدره هذه الجامعات، وأهم منتج هو الإنسان المتعلم فيها.
التدين المصطنع بوابة ظهور الجامعات الوهمية
وبما أنَّ الغِشّ مرافقٌ دائم للحقيقة، فإنَّ الجامعات الوهميَّة أو لنقل تجار الغش لم ينفضوا أيديهم من العلم، بل دخلوا فيه وشكَّلوا مافيات تُتاجر بأهم ما امتاز الله به الإنسان، ألا وهو العلم المتَّصل بالعقل، فوجدنا في زمننا جامعاتٍ وهميّةً تجارتها الوهم وإرضاء وإشباع رغبة الجشع عند المستثمر المتوحّش الذي يخاطر بأهم قضية، ألا وهي العلم. وُجِدَت إذن في مقابل الجامعات التي تُخرِّج الإنسان المزوَّد بالمعرفة في ميدان من الميادين جامعاتٌ همُّها حرق جيوب الآباء وبيعهم الوهم في أنّ أبناءهم سيحصلون على شهاداتٍ تماثل أو تضاهي الشهادات التي يحصل عليها خريج الجامعاتِ الحقيقية، وتفنَّن القوم في الخداع وأخطر هذا الخداع ذلك الذي تلبّس بلبوس التدين، فقد نهض بعض أدعياء التدين بتأسيس جامعاتٍ وهميّةٍ تحت أسماء تحمل اسم ديننا الحنيف الذي نفتخر بأنه صاحب شعار من غشَّ فليس مِنَّا، ومع ذلك ترى قومًا من أهل اللحى والزي التديني يترأسون جامعات لا حقيقة لها في الواقع المادي ولا الواقع الافتراضي، وإنَّما هي مراكز علمية تأخذ اعترافًا في ولاية من الولايات أو مدينة من المدن وتسوِّق نفسها على أنها جامعة وتعتمد في نشر خداعها على:
1- سمة التدين في ملاكها وأنهم أهل تقوى وحب لنشر العلم.
2- أساتذة تغريهم المادة فيقبلون أن تسجل أسماؤهم ضمن هيئة التدريس فيها، ويخادعون أنفسهم بألّا ذنب لهم في الجريمة، وإنما هم مجرد قائمين بما يوكل إليهم من عمل وتراهم لا يسمحون لأبنائهم أنْ يسجَّلوا فيها! مع أن الواجب الأخلاقي يستدعي أن يبين هؤلاء الأساتذة حقيقة الجامعة لطلابهم، وإنها مجرد مكان للتثقيف، وأن الشهادة التي سيحصلونها منها لا تسمن ولا تغني من جوع، فطلابهم بمثابة أبنائهم.
محاولات لفضح أصحاب الشهادات الجامعية الوهمية
بعد الانتشار الواسع لموضة الدكترة وكثرة الحاصلين على كراتين ممهورة بأختام مزورة من جامعة تحمل أسماء كبيرة وما هي إلا دكاكين لبيع الشهادات انبرى بعض الشباب الغيور بفضح عدد كبيرٍ من مدِّعي الحصول على الدال (دكتور) في مجالات علمية متعددة، وبين هؤلاء الشّباب بالدّليل أن شهادات أولئك المدعين ما هي إلا حبرٌ على ورق اشتروها بدراهم معدودة من مكاتب تبيع مثل هذه الشهادات في الغرب، وتدّعي أنها جامعاتٌ، ومازال مثل هذه الشخصيات نراها تباعًا تحصل الدال بالمال.
فهذه الشخصيات التي تحاضر وتدعو الناس للحق وكذلك الجامعات الوهمية التي حصَّلوا شهاداتهم المزيفة منها تطعن الدين والأمة طعناتٍ كثيرةً ليس أقلّها الشك في كل متدينٍ، ومن هذه الطعنات شيءٌ يثير تباريح الحزن والأسى أنَّ أكثر الطلبة الشباب ممن يشترك في هذه الجامعات يكون من المغبونين الذي وثقوا بأسماء الأساتذة الذين يعملون في الجامعة؛ لأنَّ لهم مكانةً في قلوبهم فأقبلوا على هذه الجامعات لثقتهم بمن يعمل فيها ولرمزيتهم في قلوبهم وربما يكون الطالب المنتسب فيها ممن يحرق نفسه؛ كي يُعطي قسط هذه الجامعة التي ستكون نتيجتها ورقة لا طعم لها إذا بُلَّت في كأس الماء عندما يقال له بلها واشرب ماءها من قبل الذين سيتقدم بها للعمل عندهم، والطعنة الكبرى هي التي تنغرز في قلوب الأهالي الذي يحرمون أنفسهم من المال ويعطونه لأبنائهم؛ كي يحصلوا شهادة، ثم وبعد مرور السنوات يكتشف الآباء أنهم عادوا بخفي حنين.
كيف تعرف الجامعة الوهمية؟
والآن كيف نعرف هذه الجامعة وهميّة أم حقيقية، إن أبسط طريقة تعينك في معرفة هذا الموضوع هي: أن تفتح موقع وزارة التعليم في البلد التي تدعي الجامعة أنها مرخَّصةٌ فيه، وتنظر هل هي ضمن الجامعات أم لا، فإن كانت لا تنتمي إلى سلسلة الجامعات المسجلة في وزارة التعليم فشكَّ فيها دون تردد، ثم الخطوة الثانية انظر في لجامعات التي تعترف بها فإن كانت مجرد صلة برنامج أو محاضرة أو زيارة فلا تكترث بكل ما عدا ذلك من نصوص وكلمات رنانة، لتعلم صديقي الطالب أن دولة كبرى حذَّرت من الجامعات التي تدعي أنها مسجلة فيها وبيَّنت هذه الدولة من خلال وزارة التعليم العالي فيها أن كثيرًا من المراكز التي تسمى جامعات ما هي إلا مركز تعليمي، كمعهد بسيط في بلدك، أي لا تعترف هذه الدولة بهذه الجامعة، ولا خريجيه.
كلنا يتحمل مسؤولية فضح هذه الدكاكين
إن هذه الدكاكين لم تكن لتوجد لولا كثرة المصدّقين والمصفقين لهذه التجارة الخطيرة، فلو كان المجتمع محصّنًا ذاتيًّا ضدّ هذا الوهم، ونسبة الوعي فيه كبيرة لما استطاع أحدُ أن يستغلهم ولا أن يتاجر بأحلامهم. فكن بائعا ناجحا صادقًا، أو عاملا متقنا لعملك في أي مهنةٍ على وجه الأرض خيرٌ بألف مرّة من أن تكون دكتورا مشتريا لدرجة الدكتوراه في حقل من الحقول العملية وأنت لا تفقه أسس ومبادئ كتابة رسالة الدكتوراه، أو أن تكون خرّيجا جامعيًّا محصِّلا لشهادتك بأوراق مالبة لا تزيد عقلك نموا ورقيًّا.
إن انتشار ظاهرة الجامعات الوهمية مؤشر خطير عل مستوى الانحلال الخلقي عند كثيرين، والمؤسف أن يكون من بين هؤلاء أصحاب لحى لا يخجلون ولا يستحون ويكونون أقل خوفا من الله من اللصوص الذين يسرقون بوجوه مغطاة خشية الفضيحة أمام لناس، أما هؤلاء المتاجرون بأحلام الشباب والشابات فهم يسرقون ويتاجرون بوجوه مكشوفة بل وينظرون في كيفية بناء الإنسان وتنشئته التنشئة الصالحة. فعلينا نحن المجتمع أن نحذّر منهم وأن نشكل جدارا من الوعي يحصننا ويحمينا من هذا الداء الذي ينتشر يوما بعد يوم.