يشهد عالم اليوم نقلة ثورية في مجال عالم المال والعملات التي تساوي قيمة الأشياء، وتسيطر على العالم اليوم فكرة كانت تعد ضربا من الخيال عندما ظهرت في العالم ألا وهي العملة الرقمية، الشيء الذي لا تعرف أصوله المالية ولا من يقوم بتعدينا، ولا كيفية ارتفاع قيمتها بشكل عجيب فاق كل التوقعات، ولكن وعلى الرغم من فرض نفسها في السوق وخاصة مع عملة البيتكوين التي بلغ سعرها لحظة تحرير هذا المقال أكثر من 60 ألف دولار أمريكي، رقم لم يكن يخطر على البال مع عملة كان سعرها قبل سنوات معدودة أي قبل اثني عشر عامًا في سنة 2009 1309.03 بيتكوين للدولار الواحدا، وفي سنة 2010 استطاعت 10000 بيتكوين شراء قطعة بيتزا واحدة.
العملة التي انطلقت تحت اسمٍ لا يعرف من صاحبه ويقال إنه يمثل مجموعة من المبرمجين المختصين بتشفير البيانات أطلقوا على أنفسهم اسم: (ساتوشي ناكاموتو)، هذه العملة التي كان ال10000 آلاف منها يعادل قطعة بيتزا سنة 2010 من كان يتخيل أنها ستصل إلى 60 ألف دولار خلال أقل من أحد عشر عامًا. وتصبح محط أنظار الشركات والدول.
ولكن مع هذا ما تزال هذه العملة تجد رفضا وحظرا في عدد من الدول، وتحريما من بعض المراكز الفقهية في العالم الإسلامي، وقبل الخوض في عنوان المقال دعونا نتعرف على تاريخ العملة الرقمية بنظرة سريعة وموجزة.
تاريخ العملات الرقمية:
لم يكن تاريخ 2009 هو تاريخ انطلاق العملات الرقمية بل سبق هذا التوقيت توقيت آخر يرجع إلى القرن العشرين مع عالم التشفير الأمريكي ديفيد تشوم عملة إلكترونية مشفرة أطلق عليها اسم (ecash)
ثم تطوّر الأمر مع شركة كوكا كولا التي سمحت سنة 1997 بالتعامل من خلال الدفع عن طريق الهاتف المحمول بعملية مالية مشفرة تأخذ من رصيد المشتري البنكي وتدفع ثمن المادة المشتراة.
ثم ظهرت طرق دفع رقمية باتت مشهورة اليوم ألا وهي الباي بال وذلك سنة 1998، ولكن التاريخ الفعلي لانطلاق عملة إلكترونية تعد بديلة عن العملات التقليدية كان مع البيتكوين التي ذكرناها في مقدمة المقال.
ولكن مع بدء التداول في سوق العملات الرقمية لم تعد البيتكوين العملة الرقمية الوحيدة التي تسيطر على سوق العملات الرقمية بل ظهرت عدة عملات، تتبع المسار نفسه أي التشفير وعدم معرفة المالك والتنقل السريع بين الارتفاع والهبوط.
أشهر العملات الرقمية في أيامنا:
1- البيتكوين:
سعرها اليوم أكثر من 60 ألف دولار تاريخ أول إصدار 2009
2- الإيثريوم:
السعر الحال 4166 دولار تاريخ الإصدار 2015.
3- بينانسا كوين:
السعر الحالي 499 دولار تاريخ الإصدار 2018.
هذه العملات تمثل اليوم أسعارا مرتفعة مقارنة بتاريخ بدء تسعيرها وتاريخ ظهورها وكثافة التداول بها، والآن إلى السؤال المهم ماهي الدول التي أصدرت قرارات بحظر التعامل بالعملات الرقمية؟
دول حظرت العملة الرقمية:
تنطلق معظم الدول في قرار حظر العملة الرقمية من منطلق الإضرار بالأمن القومي والاقتصاد الوطني، وإليكم قائمة بأشهر الدول التي حظرت التعامل بالعملة الرقمية، سنة 2021:
1- تركيا:
أصدر البنك المركزي قرار يحظر التعامل بالعقود المشفرة، وسبب الحظر هو عدم وجود تنظيم وسلطة مركزية للعملة الرقمية المشفرةز
2- الهند:
لم تصدر قرارا صريحا ولكنها في صدد دراسة مقترحات تؤكد أنها ستصل في النهاية إلى حظر التعامل بالعملات المشفرة، والدافع وراء حظرها في الهند هو أن الحكومة الهندية تعتقد أن هذه العملات تستعمل في تمويل أنشطةٍ غير قانونية.
3- نيجيريا:
أصدرت قوانين صارمة تحد من التعامل بالعملات المشفرة في فبراير 2021 وكانت قد حظرت عل البنوك التعامل بها منذ 2017.
ولكن نيجريا أطلقت مؤخّرا عملتها الرقمية الرسمية المسموحة للتدوال تحت اسم (e-Naira).
4- الجزائر:
أصدرت قرارا بحظر العملات المشفرة سنة 2018.
5- نيبال:
أصدرت قرارا بحظر التعامل بالعملة الرقمية سنة 2017.
6- قطر:
حذرت البنك المركزي من التعامل بالعملة الرقمية المشفرة سنة 2018.
7- المغرب:
بعد أن كان التعامل غير محظور في المغرب إلا أن الحكومة أصدرت قرارا سنة 2017 نصّ على أن المعاملات عن طريق العملات الافتراضية تشكل انتهاكا للوائح الصرف، وتكون عرضة للعقوبات والغرامات المنصوص عليها.
8- الصين:
من أوائل الدول التي حظرت التعامل بالعملة الرقمية رغم أن أكبر عدد للتعدين في ميدان العملات الرقمية يأتي من الصين غلا أنها أصدرت قرارا مبكرا يحظر التعامل بهذا النوع من العملات وذلك سنة 2013.
9- العراق:
بعد أخذٍ ورد أصدر البنك المركزي العراقي قرارا نص على حظر التعامل بالعملات الرقمية المشفرة، نص القرار على إخضاع المتعاملين بها لأحكام قانون غسل الأموال رقم (39) لسنة 2015، والقوانين ذات العلاقة بهذا الخصوص.
دولٌ أقرّت التعامل بالعملات الرقمية:
يرى الخبراء الاقتصاديون أن الدول التي لا تمتلك نظامًا ماليًّا متطوّرًا ولديها عدد من المواطنين يقومون بتحويل الأموال من الخارج ستتجه إلى الاعتماد على العملات الرقمية، وإليكم قائمة الدول التي تسمح بالتعامل بالعملات المشفرة:
1- السلفادور:
تُعد السلفادور أوّل دول تقر التعامل بها حيث وافقت ععلى التحويلات التي تعتمد عملة البتكوين وأرجع خبراء الأسواق المالية سبب إقرار عملة البيتكوين في السلفادور إلى الشعبوية والرغبة في تشجيع المستثمرين، ومساعدة المواطنين الذين يقومون بتحويل أموالهم من الخارج من خلال توفير العمولات على مصاريف التحويل.
2- أوكرانيا:
التي تتجه إلى اعتماد العملة الرقمية وفق ضوابط ستصدرها بهذا الخصوص. فقد اعتمد البرلمان الأوكراني قانونًا يقنن العملات المشفرة وينظمها بعد التصويت بالإجماع على ذلك، وكان قد طرح مشروع القانون في عام 2020، وينتظر إرساله إلى مكتب الرئيس فولوديمير زيلينسكي.
3- كوبا:
أصدرت قبل مدة قليل من تاريخ تحرير هذا المقال قانونا يعترف بالعملات الرقمية.
4- ألمانيا:
تسمح بتخصيص 20% للتعامل المالي بالعملات المشفرة.
5- بنما:
تعمل إصدار قانون ينظم التعامل بالعملة الرقمية.
المؤسسات الفقهية ورأيها في العملة الرقمية:
في وقت كتابة هذا المقال أصدرت أكبر جمعية إسلامية في أندونيسا فتوى نصّت على تحريم التعامل بالعملات الرقمية ورأت هيئة علماء هذه الجمعية أن هذه العملة ليست واضحة ولا توجد قوانين ناظمة لها فهي تدخل في المعاملات المعتمدة على القمار المحرّم شرعًا، وكذلك كانت فتوى هيئة الفتوى في مصر التي نصت على تحريم التعامل بها استنادا إلى إضرارها بالأمن القومي والاقتصاد الوطني.
ومع هذا فإنه لم يعقد الإجماع بين علماء الدين الإسلامي على تحريمها فرغم أقوال عدد من العلماء بحرمتها إلا أنه يوجد بينهم من حكم بأن مجرد التعامل بها ليس حراما مثل الدكتور علي القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي قال: “إن البيتكوين ليس محرما لذاته لأنها عملية إلكترونية علمية مشروعة، ولكنها محرمة لما يترتب عليها من المضاربات وضياع الأموال وفقدان الأصل أو الضامن لها، وهذا ما يسمى بتحريم الوسائل”.
كما أن مجلس الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة التعاون الإسلامي لم يبت في الحكم الشرعي في مسألة التعامل بالعملات الرقمية المشفرة في دورته الرابعة والعشرين التي عقدت في دبيخلال الفترة من: 07-09ربيع الأول 1441هـ، الموافق: 04-06نوفمبر 2019م.
حيث ختم مناقشاته بالقرار الآتي: “نظرًا لما سبق ولما يكتنف هذه العملات من مخاطر عظيمة وعدم استقرار التعامل بها؛ فإن المجلس يوصي بمزيد من البحث والدراسة للقضايا المؤثرة في الحكم.”
بناء على ما تقدم وعلى واقع الحال المعيش نظن أن هذه العملات هي التي ستفرض نفسها حتى في المعاملات بين الدول، وما اتجاه نيجيريا إلى إطلاق عملتها الرقمية الخاصة والرسمية إلا مؤشر على الاتجاه الذي ربما ستنتهجه الدول التي حظرت التعامل بهذه العملات، والحل على ما يبدو هو أن تعتمد البنوك المكزية عملة رقمية تابعة للحكومات وذلك منعا من الاحتيال ولضمان حقوق المتداولين فيها، وللبعد عن الشبه والوقوع بحرام في التعامل المجهول بهذا السوق المالي الذي يمثل ثورة الألفية الثالثة.