المعجم العربي: معاجم التعابير الاصطلاحية د. محمد خالد الفجر
المعجم العربي: لمعاجم التعابير الاصطلاحية أهمياتٌ كثيرةٌ منها: أنها تُغْني أسلوب الكاتب باستخدام كلمات تعطي المراد منها دون الحاجة إلى إسهاب، بل ربما تعطي للجملة وقعًا أكبر من وقعها عندما تُسْتخدم بدلاتها المعجمية،
المعجم العربي
معاجمُ التَّعابير الاصطلاحية
دراسةٌ في النظرية والتطبيق
“معجم التعابير الاصطلاحية للدكتورة وفاء كامل فايد نموذجًا”
نشر هذا البحث في موقع الألوكة على الرابط الآتي: https://www.alukah.net/literature_language/0/39548/#ixzz6lRdKwWgX
أولاً: تعريف التعبير الاصطلاحي:
التعبير الاصطلاحي:
يُطْلِق عليه بعض الباحثين المغاربة مصطلح الألفاظ المسكوكة، لكنَّ المصطلح الذي انتشر وكُتب له الذيوع، هو التعبير الاصطلاحي ترجمةً لمصطلح (Idioms).
وهو: عبارةٌ لا يُفهم معناها الكُلِّي بمجرد فهم معاني مفرداتها وضمِّ هذا المعاني بعضها إلى بعض[1]. فهو مجموعةُ كلماتٍ تُكَوِّن بمجموعها دلالةً غير الدلالة المعجمية لها مفردةً ومركبةً، وهذه الدلالةُ تأتيها من اتفاق جماعةٍ لغويةٍ على مفهومٍ تُحمِّله لهذا التجمع اللفظي[2].
مثال: “أسلم رجليه للريح” الدلالة المعجمية: أعطى رجليه للريح، لكنّ دلالته عند العرب لا تعني هذا المعنى، وإنما تفيد هرب الإنسان مسرعًا، أو فراره من أمرٍ من الأمور، وقد أتت هذه الدلالة من اتفاق الجماعة اللغوية العربية على تحميله هذا المعنى.
فتكوين التعبير الاصطلاحي قائم ٌعلى “سلسلةٍ من الكلمات التي تُقيِّدها عوامل دلالية وتركيبية تجعل منها وحدة”[3] دلالية جديدة.
وقد بدأت الجامعات العربية مؤخرًا بتسجيل بحوث علمية تتناول هذا النوع من التركيب اللغوي، فنُوقشت عدةُ رسائلَ في موضوع التعابير الاصطلاحية منها على سبيل المثال لا الحصر:
• رسالة دكتوراه عنوانها: “التعبيرات الاصطلاحية في القرآن الكريم-دراسة دلالية تركيبية-” إعداد عزة حسين حسين غُراب، كلية الآداب جامعة الزقازيق، سنة 1415هـ/1994م.
• رسالة ماجستير عنوانها”التعابير الاصطلاحية بين النظرية والتطبيق” إعداد الطالب عصام الدين أبو زلال، جامعة القاهرة، كلية الآداب، سنة 1417ه/1997م.
ثانيًا: أهمية معاجم التعابير الاصطلاحية:
إن لمعاجم التعابير الاصطلاحية أهمياتٍ كثيرةً أولاها: أنها تُغْني أسلوب الكاتب باستخدام كلمات تعطي المراد منها دون الحاجة إلى إسهاب، بل ربما تعطي للجملة وقعًا أكبر من وقعها عندما تُسْتخدم بدلاتها المعجمية، وكمثالٍ على ذلك ما ورد في البيان والتبيين عند حديث الجاحظ عن إياس بن معاوية مبينًا خطر لسانه في تأليب الناس على الحاكم، لاسيما بعد أن كبُرت سنه فنقل الجاحظ تعبيرًا يفيد ذلك وهو قوله: “فما ظنُّك وقد كبُرت سنه، وعضَّ على ناجذه“[4].
الأهمية الثانية: هي فائدتها في تعليم العربية الناطقين بغيرها[5]، فالذين يتعلمون العربية من غير العرب سيقفون كثيرًا عند التعبير الاصطلاحي الآتي: “وضعت الحرب أوزارها”؛ وسَيُشكل عليهم فهم دلالتها خاصةً عندما ترد ضمن سياقٍ لا علاقة له بالدلالة الحرفية لهذا التركيب.
الأهمية الثالثة: أهميةٌ معاصرة تتجلى في توظيفها لخدمة المعجم العربي الإلكتروني، إذ إنَّ الترجمة الآلية بحاجةٍ ماسة إلى مثل هذا النوع من المعاجم؛ ولذلك بدأ الاهتمام في زمننا بمعالجة التعابير الاصطلاحية آليًا.
وللأهميات السابقة كان لابدّ لهذا النوع من التركيب اللفظي العربي من معجماتٍ تبين دلالتها، وتوضح المراد منها.
ثالثًا: أهم معاجم التعابير الاصطلاحية التراثية:
لا يُوجد في تراثنا المعجمي، معجمٌ خُصّص لهذا النوع من التراكيب، لكن هذه التعابير وُجِدت ضمن طيات عددٍ من المعاجم العامة، فمثلاً نجد في معجم العين – وهو أول معجمٍ عربيٍّ متكامل- بعض التعابير الاصطلاحية، مثل قوله في شرح كلمة حَسَك: “وحَسَكُ الصَّدْر: حِقْدُ العدَاوة، تقول: إنّه لحَسَكُ الصَّدْر علي”[6]، وكذلك فيما أتى من بعده من معاجم، لكن هذه التعابير لم يُصَنَف لها في تراثنا اللغوي معجمٌ مختصٌ بها، ولا رسالة لغوية ولا باب مستقل. ومن أهم المعاجم التراثية التي كَثُرت فيه التعابير الاصطلاحية (أساس البلاغة) للزمخشري (ت 538هـ).
ولم يصدر معجمٌ خاصٌ بالتعابير الاصطلاحية العربية إلا في القرن العشرين، الذي ألف فيه الدكتور محمود إسماعيل صيني وعددٌ من الباحثين معجمًا خاصًا بالتعابير الاصطلاحية أسماه: “المعجم السياقي للتعبيرات الاصطلاحية”.
أما في القرن الحادي والعشرين فقد ظهر: “معجم التعابير الاصطلاحية في العربية المعاصرة” للدكتورة وفاء كامل فايد، وقد ساعدها في جمع مواده وتحريرها فريق من الباحثين.
وقد رأيت أنَّه من الأهمية بمكان تسليط الضوء على هذا العمل المعجمي لعدة أسباب:
1- يُمَثِّل هذا المعجم تطبيقًا للتنظير المعجمي، المرتبط بمعاجم التعابير الاصطلاحية.
2- تحققت له ميزةٌ تفتقر إليها معظم الأعمال المعجمية العربية، ألا وهي ميزة عمل الفريق في إنجاز المعجم.
3- طريقة تصنيفه، من حيث: الجمع، والترتيب.
4- إمكانية الاستفادة من المنهج المُتبع فيه، في تصنيف المعجم التاريخي للتعابير الاصطلاحية في تراثنا العربي.
فتحقيقًا للفائدة العلمية، رأيت أن أخُصَّ هذا العمل بدراسة تقف على أهم الأسس والقواعد التي قام عليها هذا المعجم، وكذلك الوقوف على بعض الأمور التي فاتت هذا العمل المعجمي.
الأسس المعجمية في معجم التعابير الاصطلاحية:
المقدمة:
تُعَد المقدمة مفتاحًا للمعجم، وهي بطاقة تعريفية تحدد مجال المعجم، وما يعالجه من حقول، كذلك يُبَيَّن فيها المرحلة التي ينتمي إليها المعجم أي هل المعجم تاريخي،أم أنه معجم آني معاصر. ويُذْكَر فيها المستهدفُ من هذا المعجم (الخبراء، أم القراء العاديون)، فهي تحدد منهج المعجم، وطريقة ترتيبه، ووسائل ضبط الهجاء والنطق فيه، وكيفية تصنيفه المعاني والدلالات، ووسائل التعريف المُتبعة ، وشرح الرموز والعلامات والاختصارات المستعملة في المعجم[7].
وقد كانت مقدمة المعجم المدروس محققةً لما يجب أن يتوافر في مقدمة المعاجم، فقد حدّدت المقدمة مجال المعجم وهو: “التعابير الاصطلاحية” والمرحلة التي ينتمي إليها وهي مرحلة معاصرة، أضف إلى ذلك تحديد مصادر جمع المادة في المقدمة، وذكر المستهدَف من تأليف هذا المعجم، أي المستفيد منه وهو: “ابن اللغة، ومتعلم اللغة من غير أبنائها، والمبرمجون الذين يهتمون بوضع قواعد البيانات”[8].
ذكرت المؤلفة في مقدمتها طريقة ترتيب المواد، وكيفية شرحها.
وقد وضعت المؤلفة عناوين مفتاحية تُعَدّ ميزة لمقدمة هذا المعجم، من هذه العناوين: (بنية المعجم، مستوى تِقنيات جمع المادة، تقنيات الإخراج الطباعي)[9].
وبذلك تكون مقدمة هذا المعجم، مفتاحًا حقيقيًا، وكذلك مقدمة تعليمية، تُدْرَج ضمن ما يُسَمى اليوم بطرق الصناعة المعجمية lexicography.
الجمع:
تعد طريقة جمع مادة المعجم القاعدة الأولى التي يبني المعجمي معجمه عليها فبوساطتها تدرج المواد المحققة للفائدة التي يرجوها مستعملو المعجم، و يُسهم الجمع في تعيين مصادر جمع مادته، ونوعية المفردات أو المداخل التي سيضمنها معجمه، ومن أهم الأسس التي يراعيها المعجمي في جمعه المستوى اللغوي للمواد التي سيدونها.
المستوى اللغوي:
إنّ المستوى اللغوي مهمٌّ في الصناعة المعجمية؛ لأنه يُسْهِم في تحديد المواد التي ستدخل في المعجم، ويُعِين في التنسيق الدقيق لتصنيف المعجم، وينقسم المستوى اللغوي أربعة أقسام هي: “الفصيح، والمولَّد وهو المُحْدَث في الفُصحى بعد عصر الاحتجاج، والعامي، والمعرب”[10] وقد كان المستوى اللغوي لمعجم التعابير الاصطلاحية يتراوح بين اللغة الفصحى واللغة العامية، وكانت معظم مواده من اللغة الفصحى، إلا أنه لم يخل من التعابير الاصطلاحية التي تنتمي إلى المستوى اللغوي العامي.
كما في التعابير الاصطلاحية الآتية:
فلانٌ ابنُ نُكْتة: مَرِح، ظَرِيف، يأتي بالنوادر المُضْحِكة.
استعمالٌ مصري[11].
كلام فاضي: أكاذيب وأباطيل[12].
وِشّ الصّحّارة: واجهة الشيء، الأفضل، المتميِّز[13].
استعمالٌ شامي:
من خلال الأمثلة السابقة تبين أنّ المعجم لم تكن مادته مأخوذةً من العربية الفُصْحَى وحسب بل فيه عددٌ قليل من التعابير العامية، وقد بيّنت الدكتورة وفاء ذلك في مقدمة معجمها: “رأت (الباحثة) أن المعجم يعالج التعابير الاصطلاحية في العربية المعاصرة المكتوبة، وقد نُقِلت من مصادرها في المدونة، واستعملها كتّابٌ معاصرون لهم ثقلُهم اللغوي…”[14].
ثمّ ذكرت أنها كانت ستضع التعابير الاصطلاحية العامية في ملحقٍ لكن وجدت هذه الطريقة تصبح معيارية والمعجم هدفه تدوين العربية المعاصرة.
وهنا أرى أهمية تحديد مصطلح العربية المعاصرة، وهل كل ما ينطق بأحرفٍ عربية يُدْرَج ضمن العربية المعاصرة. أضف إلى ذلك أنّ العربية هي التي يفهمها متكلو العربية من المحيط إلى الخليج، ووجود كلماتٍ عامية مصرية أو شامية، يُخرج الكلمة من الانتماء إلى العربية المشتركة التي يتفاهم بها أبناء الوطن العربي، فمثلاً التعبير الاصطلاحي (وِشّ الصَّحارة) لا يُنطق هكذا في الشام وإنما(وِشْ السَّحَارة) أي بسكون الشين وإبدال الصاد سينًا، والإشكال في كتابة التعبير العامي ترجع إلى أن العرب لا يمكنهم أنْ يفهموا بعضهم لو نطقوا بلهجاتهم العامية. فاستثناء مثل هذه التعابير العامية من المعاجم المخصصة للعربية أفضل من وجودها، ولا يُعَد إهمالاً للمُستعمَل بالعربية؛ لأن العربية المعاصرة هي العربية التي تتفق مع القواعد المشتركة التي يفهمها أبناء الوطن العربي.
الترتيب:
نقف في المعاجم بشكلٍ عامٍ على طريقتين من طرق الترتيب، الأولى تعتمد طريقة الترتيب الألفبائي (Alphepatic orgnization)، والثانية تعتمد طريقة الترتيب المنظومي Systematic organizati.
ومازال كثيرٌ من المعاجم حتى أيامنا هذه متبعًا في تصنيفه طريقة الترتيب الألفبائي سواءٌ أكان المعجم عامًا أم مختصًا، كما يقول بيشت: “فلو غضضنا الطرف عن لغة الأغراض العامة- ولو إلى حين – لوجدنا أن أغلب المعاجم المختصة لا تزال تُرتب ترتيبًا ألفبائيًا”[15].
ويرجع استخدام هذا الترتيب إلى سهولته في الاستخدام لاسيّما في سرعة الوصول إلى المفردة المراد معرفة شرحها وتفسيرها، يقول بيشت: “والبحث في هذا النوع من المعاجم يستغرق وقتًا أقل منه في المعاجم المرتبة ترتيبًا منظوميًا، حيث يلزم القيام بعمليتين: البحث عن المفردة ( Item) في الكشاف الألفبائي (Alphappetical index) أولًا، ثمّ في القسم المنظومي ثانيًا”[16].
وقد تحققت في المعجم الطريقتان: طريقةُ الترتيب الألفبائي، وطريقة الترتيب المنظومي، و بذلك توفرت ميزتان للمعجم وهما:
1- سرعة الوصول إلى التعبير وذلك عن طريق الترتيب الألفبائي القائم على أساس اللفظة الأولى المكونة للتعبير الاصطلاحي.
2- الوصول إلى تعبير يرتبط بمفهوم يدور في خَلَد القارئ. مثلاً مفهوم السرعة: تجد تحته: التعبير الاصطلاحي التالي: استبق فلانٌ الريح[17].
بهذا الترتيب الثنائي أُزيل ما يسببه الترتيب الألفبائي من تباعدٍ بين المفاهيم المترابطة في سلسلةٍ مفهومية واحدة، وكذلك أُزيل البطء في الوصول إلى التعبير في الترتيب المفهومي، وذلك بترتيب متن المعجم ترتيبًا ألفبائيًا.
وأمّا الترتيب الآخر فهو الترتيب الداخلي لمحتوى المعجم، أي الترتيب في شرح المداخل فقد قام هذا الترتيب على:
1- شرح معنى التعبير الاصطلاحي.
2- شرح المعنى المعجمي لبعض الألفاظ المكَوِّنة للتعبير الاصطلاحي.
3- ذكر سياق ورود التعبير الاصطلاحي.
4- تأثيل أغلب التعابير الاصطلاحية.
كما في المثال الآتي:
“ارتدّ فلانٌ على عَقِبيْه”:
1- معنى التعبير الاصطلاحي: تراجع، عاد، على الجهة التي أتى منها.
2- المعنى المعجمي لأحد مكونات التعبير الاصطلاحي: العَقِب: عَظْمُ مُؤَخَّر القَدَم.
3- السياق الذي ورد فيه: قوله تعالى: “إِن تُطيعوا الذين كَفَرُوا يَرُدُّكم على أعقابِكُم” (آل عِمْران:149)
4- التأثيل: قرآني[18].
التعريف:
تنوعت أساليب التعريف في معجم التعابير الاصطلاحية، فقد وُجِد التعريف اللغوي، والتعريف بالشاهد أو بالمثال، وهما ركنان أسسيان في تعريف المداخل المعجمية.
التعريف اللغوي:
ذُكرَت في المعجم الدلالة اللغوية لأجزاء التعبير الاصطلاحي المُشْكِلة في الفهم، وهذا لا بدَّ منه في تعريف المدخل المعجمي، وهو شرطٌ من شروطه، سواءٌ أكان المعجم عامًا أم مختصًا، وفي معاجم التعابير الاصطلاحية يُعد تعريف الكلمات المُشْكِلة مهمًا؛ لأنّه يقرِّب إلى حدٍّ ما فهم السبب وراء تحميل اللفظ للدلالة الاصطلاحية التي اتفق عليها العرب.
من الأمثلة على ذلك:
• اتَّسع نِطاق كذا
النِّطاق: حِزامٌ يُشَدُّ به الوسط[19].
• أثْقَل الأمر كَاهِل:
الكَاهِل: ما بَيْن الكَتِفَين[20].
• تَمَخَّض الجبل فولد فَأْرًا.
تمَخَّضت الحامل: دنا مَوْعِدُ ولادتِها وأخذها الطَّلْقُ[21].
• رَمى فلانٌ الكلام على عواهِنه:
العَوَاهِن: مفرده العاهِن: الحاضِر[22].
• لسَّنَ فلانٌ على فلان:
لسَّن الشخص: عضّ لسانه تحيُّرًا وتفكيرًا[23].
وامتاز التعريف في هذا المعجم، بعدم إدخال المسائل النحوية والصرفية فيه، وبذلك يصل المستعمل لهذا المعجم إلى المعنى المراد دون أن يدخل في نصوص لا علاقة لها بالمدخل الذي يريد معرفة دلالته.
• كما أنَّ التعريف ساعد على توضيحه إيراد الشواهد؛ إذ إنّ الشاهد يُعد من وسائل التعريف الأساسية خاصةً إذا كان المُعَرَّف تعبيرًا اصطلاحيًا؛ لأن إيراد التعبير الاصطلاحي في سياقه يعين الكاتب على معرفة السياق الذي يمكنه استخدام التعبير الاصطلاحي فيه.
ولم يخلُ تعبير اصطلاحيٌّ في المعجم من شاهد مأخوذٍ إما من القرآن الكريم، كما في التعبير الاصطلاحي الآتي: “طال الأمَدُ على فُلان”. الشاهد قوله تعالى: ﴿ فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم ﴾ [الحديد:16][24].
وكانت الدكتورة وفاء تُتبع الشاهد القرآني، بمثال من اللغة المعاصرة، وذلك كي يكون المحتوى موافقًا لعنوان المعجم، ففي التعبير الاصطلاحي السابق، ذكرت بعد الشاهد القرآني مثالاً مأخوذًا من اللغة المعاصرة وقد ورد فيه التعبير الاصطلاحي وقد أُخِذ المثال من لغة الصحافة: “الكُتُب الدِّراسية طال عليها الأمدُ، ولم تُغيِّرْها الوِزَارة بعدُ”[25].
وقد اتبعَت الدكتورة وفاء هذه الطريقة في ذكر الشواهد والأمثلة في جميع التعابير الاصطلاحية التي احتواها المعجم، وبذلك يستقر مدلول التعبير الاصطلاحي في ذهن مستعمل المعجم، ويتمكن من إيراده في السياق الذي يتفق مع معناه.
ملاحظاتٌ على المعجم:
1- مستعملو التعبير الاصطلاحي:
بينت الدكتورة وفاء أنها في كل مدخل ستبين المستوى اللغوي الذي ينتمي إليه التعبير الاصطلاحي أي الطبقة الاجتماعية التي تستعمل التعبير الاصطلاحي الذي أُدْرِج في المعجم، لكن هذا المنهج لم يكن في كل المداخل:
كما في التعابير الآتية:
• آخر صيحة[26].
• أبًا عن جِد[27].
• ابن مهنة[28].
2- عدم الإشارة إلى تعدد الاستعمال:
لم تُحدد الدكتورة وفاء الأسس التي اعتمدتها في التفريق بين استعمال العامة، واستعمال المثقفين، ولذلك وردت بعض التعابير التي جعلتها الدكتورة من التعابير التي يستعملها المثقفون، مع أن العامة يستخدمونها، ويمكن أن تكون ضمن الاستعمال الدارج، وكمثال على ذلك:
• ابتلع فلانٌ لسانه:صَمَت، سكت مضطرًا، لم يتكلم[29].
هذا التعبير مستعملٌ في ألسنة المثقفين، وكذلك يستعمله العامة، وإن اختلفا في الشكل الصوتي لنطق التعبير، فالعامة تقول بلع لسانه، أو بالشامية ما بك هل بلعت لسانك، وهو مرادف للتعبير الاصطلاحي”هل أكل لسانك القط”.
3- عدم التفريق بين التعابير الاصطلاحية و التعابير السياقية:
التعبير السِّياقي هو: “تلازمُ كلمتين أو أكثر بصورةٍ شائعةٍ في اللغة، وذلك للتماثل بين الملامح المعجمية لكلِّ كلمةٍ منها… مثل: مكة المكرمة، انتهك حُرْمة، خرق معاهدة، كلمة مأثورة“[30].
وقد وردت كثير من التعابير السياقية في المعجم، ولم يُشر إلى أنّها من التعابير السِّياقية، وربما يرجع ذلك إلى أن الدكتورة وفاء، عدّت التعابير السِّياقية منتميةً إلى التعابير الاصطلاحية، ولكن هناك فرقًا بينهما كما بيّن ذلك الدكتور علي القاسمي الذي قسم الفوارق إلى:
1- إمكانية استشفاف معنى التعبير السياقي من فهم دلالة عناصره، أو الكلمات المكوّنة له على حدة، فقولنا: (خرق المعاهدة) يعني (انتهك الاتفاقية)؛ لأنّ خرق تعني انتهك، والمعاهدة تعني الاتفاقية.
2- يمكن ذكر أحد أجزاء التعبير السياقي دون ذكر الجزء الثاني المكوّن له، فنستطيع أن نقول: (القدس) دون أن نردفها بكلمة (الشريف).
3- تمتاز التعابير السياقية بقدرتها على التنوع أي أنّه يمكن تبديل الكلمات المكوّنة للعبير السياقي بكلماتٍ مماثلةٍ لها دلالتها دون الإخلال بمعنى التعبير الكلي. ففي التعبير السياقي (ثلةٌ من الجيش) يمكن أن نقول:
• جماعةٌ من الجنود.
• مجموعةٌ من العسكر[31].
إن السمات السابقة التي ذكرها الدكتور القاسمي والتي امتاز بها التعبير السياقي لا تتحقق في التعبير الاصطلاحي، فلا يمكننا ذكر جزء من الأجزاء المكونة للتعبير الاصطلاحي، والاستغناء عن الجزأين الآخرين. فالتعبير الاصطلاحي (صيحةٌ في واد) الذي يعني: عملاً لا فائدة منه. لو حذفنا أي جزء من أجزاء هذا التعبير لغاب المعنى الذي حمله بجميع مكوناته فلو قلنا : (صيحة) لما أفادت المعنى نفسه، وكذلك لو قلنا ( في واد).
مقترحاتٌ لإغناء هذا المعجم:
5- الإشارة إلى الأصل اللغوي للتعبير الاصطلاحي:
أرى أنه يمكن أن يكون هذا المعجم جزءًا من مدونةٍ للغة العربية فإنّ اهم شيءٍ يحول دون التمكن من إنجاز المعجم التاريخي للغة العربية هو غياب مدونة لغوية شاملة توزع النصوص وكلماتها بحسب التسلسل التاريخي، ولذلك يمكن إدراج هذا المعجم ضمن المدونة اللغوية والعمل بعد ذلك على إعادة التعابير الاصطلاحية إلى المرحلة الزمنية التي أخذت منها ويمكن الإفادة من كتب الأمثال على سبيل المثال لإيجاد الأصل الذي يرجع إليه وجود التعبير الاصطلاحي مثل التعبير الاصطلاحي: “سبق السيف العزل”، و “في الصيف ضيّعتِ اللبن” وغيرها من التعابير الاصطلاحية، والمعجم التاريخي يمكن ان يكون مقسمًا بحسب العلوم وبحسب الحقول والمجالات العلمية لأنه ربما يُقال إن المعجم التاريخي سيكون مشتملاً على التعابير الاصطلاحية، ولكن هذا لا يعني أن وجود معجم تاريخي للتعابير الاصطلاحية يتعارض مع المعجم التاريخي الشامل، إذ إن وضع معج خاص للتعابير الاصطلاحية سيكون موفرًا لعددٍ كبير نمن الشواهد والأمثلة التي ورد فيها التعبير الاصطلاحي بقدر يفوق وجودها في المعجم التاريخي العام.
ويمكن كذلك العمل على تأثيل عددٍ من التعابير الاصطلاحية وذلك بردها إلى اللغة التي أُخِذ منها التعبير الاصطلاحي. وقد أرجعت الدكتورة وفاء كثيرًا من التعابير الاصطلاحية إلى المصدر الذي أخذت منه، لكنها لم ترد جميع التعابير إلى أصولها اللغوية وهي لم تخالف بذلك المنهج الذي قامت عليه في تصنيف معجمها؛إذ إن هذا العمل يحتاج إلى فريق لغوي فيه متقنون لأكثر من لغة وإن ردّ التعابير الاصطلاحية إلى اللغات التي أخذت منها يحقق خدمة كبيرةً في مجال الترجمة الآلية للتعابير الاصطلاحية، وهذا ما تتبعه المعاجم الإنكليزية المعاصرة كما في معجم (لونغمان) حيث يُؤثَّل لكلِّ كلمة في المعجم.
وقد وردت عدّة تعابير في معجم التعابير الاصطلاحية في العربية المعاصرة أخذت من اللغة الإنكليزية، أمثل لها بالآتي:
• أذاب الثلج بينهما[32]: إن هذا التعبير الاصطلاحي مأخوذٌ من اللغة الإنكليزية والتعبير الاصطلاحي الإنكليزي هو “ [33]، break the ice” ويفيد المعنى نفسه الذي صار يستخدم في العربية المعاصرة، ويرتبط هذا التعبير بطبيعة بريطانية الباردة، فكسر الجليد يعني إذابته من أجل الدفء، وكذلك إذابة الحواجز في العلاقات الإنسانية من أجل البدء بعلاقة دافئة.
• أمسك الخشب:أستعيذ من عَيْنَيْك حتى لا تحسُد، أَبْطِل الحَسَد [34] .
التعبير السابق هو المقابل للتعبير الاصطلاحي الإنكليزي: touch wood/knock on wood
تقوله “عندما تريد أن يبقى الخير مستقرًا عندك”[35].
بعض التعابير أشير إلى أنها معربة مثل:
• أمْسك الثور من قَرْنَيْه: تصدَّى لموقفٍ صعبٍ بشجاعة[36]. أشارت الدكتورة وفاء في تأثيله أنه مُعرَب، دون ذكر اللغة التي أُخِذ منها.
• الخط السَّاخن: الاتصال العاجل، والمهم[37] Hot Line أشير إلى تعريبه دون ذكر الأصل الذي أخذ منه، والأصل الذي أخذ منه هذا التعبير هو اللغة الإنكليزية، ويعني في اللغة الإنكليزية: “اتصال هاتفي خاص من قبل عددٍ من الناس للاستفسار عن شيء ما”[38].
• التوصيات:
إنّ عصرنا عصر انفتاحٍ عالميٍّ تيسَّر فيه التواصل، وشبكتِ الشابكةُ العالم، ولم يعد الفكر محصورًا بأمةٍ دون غيرها؛ لذلك علينا أن نسهم في التعريف بأنفسنا، وذلك بتوفير ما يساعد غيرنا على أن يعرف ثقافتنا وتراثنا، وإنجاز معجم تاريخي يشتمل على هذا النوع من التعابير الاصطلاحية، لا يعد منجزًا لغويًا وحسب، وإنّما هو منجزٌ فكريٌّ وحضاريٌّ أيضًا. فحبذا لو يتبنى اتحاد المجامع اللغوية – وهو يحاول إنجاز المعجم التاريخي للعربية- مع عناية خاصة إنجاز معجم للتعابير الاصطلاحية، وأن يكون داخلاً ضمن مشروع المعجم التاريخي للعربية، وأن يعمل الاتحاد على التواصل مع الجامعات العربية، من أجل الاستفادة من جهود الباحثين اللغويين في أقسام الدراسات العليا الذين يعملون في مجال المعجمية، وتكليفهم، بإنجاز معاجم مقسمة حسب العصر الذي مرت به لغتنا العربية،وهذا يوفر الكثير من الوقت ويحقق قاعدةَ عمل الفريق التي مازالت تحبو في بيئتنا العربية، وبذلك نكون قد خدمنا لغة الضاد خدمةً تعبر عن إيماننا بها وبحيويتها.
من فوائد التعابير الاصطلاحية استعمل الأساليب بحيث يفتح مجال للكتاب في تنويع أساليبهم والخروج من دائرة الخطأ والصواب.
ومعجم العربية المعاصرة يمكن أن يستفاد من تجربته من حيث فريق العمل، وتحديد المصادر، وطريقة الترتيب، وخاصةً الجمع بين الترتيبين الألفبائي و المنظومي المعتمد على الحقول الدّلالية، حتى لا تكون هذه التجارب الخادمة للغة العربية جهودًا منقطعةً عن الهم الجماعي لمن يهمهم أمر العربية ويحاولون خدمتها؛ لتبقى متصلةً بكلِّ ما يجِدُّ من بحوثٍ لغويةٍ عالمية.
المصادر والمراجع
أولاً: المصادر:
• د. وفاء كامل فايد، معجم التعابير الاصطلاحية في العربية المعاصرة، القاهرة، 2007م.
ثانيًا: المراجع:
• د. إبراهيم بن مراد، المعجم العلمي العربي المختص حتى منتصف القرن الحادي عشر الهجري،بيروت، دار الغرب الإسلامي، ط1، 1993.
• د. أحمد مختار عمر:
البحث اللغوي عند العرب، القاهرة، عالم الكتب، ط8، 2003م.
علم الدلالة،القاهرة،عالم الكتب،ط5، 1418هـ/1998م.
• أ. إسماعيل مظهر، قاموس الجمل والعبارات الاصطلاحية، القاهرة، مجمع فؤاد الأول للغة العربية، ط1، 1949م.
• الجاحظ، البيان والتبيين، تحقيق عبد السلام هارون، القاهرة، مكتبة الخانجي، ط5، 1405هـ/1985م.
• الخليل بن أحمد الفراهيدي، كتاب العين، تحقيق: د. مهدي المخزومين ود. إبراهيم السامرائي، إيران، 1415هـ. ق.
– د. علي القاسمي، “التعابير الاصطلاحية والسياقية ومعجم عربي لها”، مجلة اللسان العربي،مكتب تنسيق التعريب بالرباط،د.ت.
• د. محمد حلمي هليّل، “الأسس النظرية لوضع معجمٍ للمتلازمات اللفظية العربية”، أسس المعجم النظري، مجلة المعجمية، تونس، 1417هـ/1997م.
• د. محمود إسماعيل صيني، المعجم السياقي للتعبيرات الاصطلاحية، بيروت، مكتبة لبنان ناشرون، ط1، 1996م.
• هربيرت بيشت و جنيفر دراسكاو، مقدمة في المصطلحية، ترجمة محمد حلمي هليّل، الكويت، مجلس النشر العلمي في جامعة الكويت، 2000م.
المراجع الأجنبية:
• Longman Dictionary of Contemporary English,England,Pearson Longman,2006
[1] د. أحمد مختار عمر، علم الدلالة،القاهرة،عالم الكتب،ط5، 1418هـ/1998م، ص33.
[2] انظر: د. محمود إسماعيل صيني، المعجم السياقي للتعبيرات الاصطلاحية، بيروت، مكتبة لبنان ناشرون، ط1، 1996، ص. ح.
[3] د. محمد حلمي هليّل، “الأسس النظرية لوضع معجمٍ للمتلازمات اللفظية العربية”، أسس المعجم النظري، مجلة المعجمية، تونس، 1417هـ/1997م، عــ 12، 13، ص، 226.
[4] الجاحظ، البيان والتبيين، تحقيق عبد السلام هارون، القاهرة، مكتبة الخانجي، ط5، 1405هـ/1985م، ج1/101.
[5] انظر: د. صيني، المعجم السياقي للتعبيرات الاصطلاحية، ص ز.
[6] الخليل بن أحمد الفراهيدي، كتاب العين، تحقيق: د. مهدي المخزومي، ود. إبراهيم السَّامرائي، إيران، 1414هـ.ق، مادة حسك، ج1/383.
[7] د. أحمد مختار عمر، البحث اللغوي عند العرب، القاهرة، عالم الكتب، ط8، 2003، ص 167.
[8] د. وفاء كامل فايد، معجم التعابير الاصطلاحية في العربية المعاصرة، القاهرة، ط1، 2007، ص ح.
[9] د. وفاء كامل فايد، معجم التعابير الاصطلاحي، ص. ز.
[10] انظر: د. إبراهيم بن مراد، المعجم العلمي العربي المختص حتى منتصف القرن الحادي عشر الهجري،بيروت، دار الغرب الإسلامي، ط1، 1993، ص 7.
[11] د. وفاء كامل فايد، معجم التعابير الاصطلاحية، ص 7.
[12] السابق، ص 418.
[13] السابق، ص 509.
[14] د. وفاء كامل فايد، معجم التعابير الاصطلاحية، ص ط.
[15] هربيرت بيشت، مقدمة في المصطلحية، ترجمة محمد حلمي هليّل، الكويت، مجلس النَّشر العلمي في جامعة الكويت، 2000م، ص 188.
[16] السابق، ص 188.
[17] د. وفاء كامل فايد،معجم التعابير الاصطلاحية، ص 28، وص 579.
[18] انظر: د. وفاء كامل فايد، معجم التعابير الاصطلاحية، ص 24.
[19] د. وفاء كامل فايد، معجم التعابير الاصطلاحية، ص 9.
[21] السابق، ص 139.
[22] السابق، ص 235.
[23] السابق، ص 441.
[24] السابق، ص 297.
[26] د. وفاء كامل فايد، معجم التعابير الاصطلاحية، ص 1.
[27] السابق ص 1.
[28] د. وفاء كامل فايد، معجم التعابير الاصطلاحية، ص 6.
[29] السابق، ص 2.
[30] د. علي القاسمي، “التعابير الاصطلاحية والسِّياقية ومعجم عربي لها”، ص29.
[31] انظر: د. علي القاسمي، التعابير الاصطلاحية و السياقية ومعجم عربيٌّ لها، ص 29-30..
[32] د. وفاء كامل فايد، معجم التعابير الاصطلاحية، ص 22.
[33] أ. إسماعيل مظهر، قاموس الجمل والعبارات الاصطلاحية، القاهرة، مجمع فؤاد الأول للغة العربية، ط1، 1949م،ص53.
[34] السابق، ص60.
[35] See: Longman Dictionary of Contemporary English,England,Pearson Longman,2006.p.1899
[36] د. وفاء كامل فايد، معجم التعابير الاصطلاحية، ص 59.
[37] السابق، ص 185.
[38] See: Longman Dictionary of Contemporary English,p.790