سبع خطوات تزيل الأرق والإحباط والقلق – د. محمد خالد الفجر
مع مشاعر الإحباط السائدة وما تولده من إفساد للشباب، تأتي أهمية إيجاد أدوات تحول دون وقوع أبنائنا بمثل هذه المفاسد، وأهم شيء في هذه الأدوات أن تكون عملية وقابلة للتطبيق، وهذا ما حرصنا على أن يكون في الخطوات السبع التي نظن أنها ستكون نافعة للفتى وللشاب وللكهل في التخلص من المشاعر السلبية التي تسوّد الحياة، وتزيل الجمال منها، وتقضي على نبضها.
مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعية التي غدت مكانا للتعبير عن المشاعر والأحاسيس ووصفا للواقع النفسي لغالبية الناس، فإننا نجد أن الشعور بالأرق والقلق وبث المشاعر السلبية التي تدل على إحباط ناشرها أصبحت هذه اللغة سمة غالبة على أكثر ما ينشر على وسائل التواصل الاجتماي اليوم، والمحزن أن ترى أن هذه اللغة اليائسة المحبطة يبثها شباب في مقتبل العمر، شباب كان من المفروض أن يكونوا ممتعين بطاقات إيجابية توزع على كل الذين يعاشرونهم أو يجالسونهم أو يقرؤون ما ينشرونه ويبثونه.
لو فتّشنا عن أسباب الإحباط والأرق والقلق وكلها مشاعر تدمّر الإنسان وتجعله فاقدا لوجوده ولدوره في الحياة، بل للحياة نفسها، فلو فتشنا عن أهم الأسباب لوجدناها تتلخص في الآتي:
-
المحتويات إخفاء
الأرق خوفا من عدم تحقيق نجاح في عمل مقدم عليه الإنسان، مثل: النجاح في الامتحان، النجاح في مشروع تجاري، عدم الحصول على فرصة سفر اقترب من الوصول إليها.
-
خوفا على حبيب وإنسان غال، مثل الأرق على مستقبل الأبناء في دراستهم وتحصيلهم العلمي، أو الأرق على أب أو أ م يعانيان من مرض خطير.
-
الإحباط بسبب الفشل في عمل ما، مثل الفشل في الحصول على شهادة علمية، أوخسارة مالية في مشروع كان يبني عليه الإنسان آمالا وأحلاما كبيرة.
الأسباب السابقة تلخص مجمل نوافذ توليد المشاعر السلبية عند الإنسان، هذه المشاعر التي إذا ترك لها المجال فستفتح باب فساد كبير وخاصة في زمننا الذي تنتشر فيه المخدرات والجرائم الكبيرة التي يكون ضحيتها شباب محبطون يدفعهم شعورهم بالإحباط إلى أن يكونوا أدوات سهلة الاستثمار بيد كثير من المجرمين الكبار، ويصبحون بعد زمن مجرمين يضرون دوائرهم الضيقة ومجتمعاتهم الكبيرة، ومن هنا تأتي أهمية إيجاد أدوات تحول دون وقوع أبنائنا بمثل هذه المفاسد، وأهم شيء في هذه الأدوات أن تكون عملية وقابلة للتطبيق، وهذا ما حرصنا على أن يكون في الخطوات السبع التي نظن أنها ستكون نافعة للفتى وللشاب وللكهل في التخلص من المشاعر السلبية التي تسوّد الحياة، وتزيل الجمال منها، وتقضي على نبضها.
الخطوة الأولى: قراءة القرآن
إن الاتصال بطاقة فوق الطاقة الإنسانية يؤدي في الغالب إلى أن يصبح المتّصل بهذه الطاقة ممتعا بقوة وصلابة وقدرة على النظر إلى الأمور بروية واطمئنان، فالقرآن ذكر هذا الأمر بقول الله تعالى: { وَنُنـزلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}، في هذه الآية تركيز أساسي على الموضوع النفسي الذي يتعرض له الإنسان خلال مواجهته لأمواج الحياة، فيؤكّد القرآن أن ما فيه وما نزل منه يجد فيه المحبط سلوى لنفسه وراحة لروحه ورحمة به عندما يتلوه بتدبّر وإيمان بأنه كلام رباني فوق إنساني، وهذا تجده عند كثيرين من الناس، حتى إننا سمعنا عن كثيرين ممن أسلموا أن من أسباب إسلامهم الأساسي فهمهم لخطاب القرآن وتدبرهم له ومن أولئك عالم الرياضيات جيفري لانغ، الذي قال في كتابه “الصراع من أجل الإيمان” إن أهم سبب لإسلامه هو القرآن الذي وجد أنه لا يجيبه عن أسئلته التي في ذهنه عن الوجود وحسب، بل إن القرآن يطرح أسئلة ليست في ذهنه ويعطي الجواب عنها، فاطمأن قلبه إليه ودخل الإسلام، ومن هنا فإن من يستطيع أن يبدأ يومه بتلاوة آيات من القرآن الكريم، ستجد يومه فيه من الطاقة الكثير، وهذا يعرفه كل من جرّب هذا الغذاء الروحي.
الخطوة الثانية: تعلّم لغة جديدة:
أولا أريد أن أقول إن معظم المشاعر تتولد من كلمة سمعتها أو قرأتها أو شاهدتها متمثلة بسلوك شخص ما، فاللغة هي نافذة التواصل مع الكون، ومن هنا فإن من يحصر نفسه في لغة واحدة سيضيق أفقه ويشعر أن ما يراه هو كل الوجود؛ ولهذا فإن من يبدأ بتعلم لغة أو لغات تراه يتمتع بالحس التفاؤلي والبهجة التي لا يعرف مصدرها، وكأن الدماغ يبتهج كلما دخلت إليه كلمات من لغات متعددة؛ ولهذا فإن أحد الأدباء العرب الكبار عبّر عن دور تعلم لغة اجنبية في نظرته للحياة قائلاً: “كنت أرى العالم بعين واحدة، وبعد تعلمي للغة صرت أرى العالم بعينين”، الجميل في تعلم لغة جديدة أنه يفتح أفقك إلى ثقافات شعوب عديدة، وهذا يجعلك لا تجد مجالا للمشاعر السلبية، ويزيد الشعور الإيجابي عند من يستطيع توظيف تعلم لغة أجنبية لعمل يدرّ عليه مالا، مثل: أن يعلم الناس اختصاصا ما باللغة التي يتعلمها، أو يعمل مع شركة تريد هذه اللغة، أويعمل مستقلا على مواقع الإنترنت بعد إتقانه لهذه اللغة في المجال الذي يعرفه.
الخطوة الثالثة: تعلّم تقنية في مجال المعلوماتية:
إن سمة عصرنا المنتشرة هي الثورة الرقمية التي أوصلت المعرفة إلى كل مكان في الأرض بحيث لم يعد المكان حاجزا أمام تعلمك لكل ما ترغب في إتقانه، واليوم نرى ثورة في مجال الرقميات، تطلعنا عليه كل يوم وسائل الإعلام الرقمية، ومن هنا فإن من يكرّس جهده لتعلم تقنية ما مثل: المونتاج، البرمجة، وغيرها من الأدوات المتوفرة على الشابكة، فإنه لن يجد وقتا للأرق والإحباط؛ لأن هذه المجالات لا تتوقف عند حدّ ولا ينتهي طلبها، ولا يمل منها من يدخلها برغبة وشغف.
الخطوة الرّابعة: الكتابة والقراءة
أفضل شيء يخفف الأرق هو التعبير عن الشعور ونافذة التعبير والتنفيس عن الشعور هي الكتابة، فكثيرون لا يكتبون كتابة للمهنة والعمل فقط، بل إن عددا كبيرا من المبدعين يكتب لينفس عن همه ومشاعره، ومن هنا نتذكر قول أحد الكتاب الكبار عندما قال: لقد أصبح القلم الإصبع الحادي عشر في يدي، كناية عن كثرة ملازمة ومصاحبة القلم ليديه وهو مهندس من عائلة ثرية، لكن الكتابة كانت بالنسبة له هواء يحيي روحه. وكم هو جميل تعبير تشارلز بوكوفسكي عن الكتابة عندما أجاب عن تساؤل: “ما الذي أبقاك حيًّا؟ الكتابة “. ومثله قول إدوارد سعيد: “الإنسان الذي لم يعد له وطن، يتخذ من الكتابة وطنا يقيم فيه”.
وإذا كانت الكتابة غذاء للروح فالقراءة غذاء الكتابة ووقودها، وكذلك فإنها الجليس الذي يؤنس ويخرجك من السلبية إلى مشاعر جديدة تولدها الأفكار التي تتفتح في الذهن مع تدوير الكلمات التي تدخل إليه من الورق الذي يُقرأ.
الخطوة الخامسة: صحبة المتفائلين
لا ننسى أبدا المقولة التي نقشت في أدهاننا: “قل لي من تصاحب، أقل لك من أنت”، والكلمة العامية الفصيحة الصاحب ساحب، وغيرها من الكلمات التي تؤكد دور الصاحب في سلوكنا وأفكارنا، فمثلا من يصاحب صاحبا محبطا سيكون هذا الخلق معديا لمن يجالسه، حتى لو لم يكن مثله، لكن شيئا فشيئا سيجد نفسه يتحوّل إلى شخص محبط ويائس.
كثير من المبدعين وجد في حياتهم شخص أمدهم بكلمة تفاؤل آمن بمقدرته حفّزه وهذا التحفيز كان مؤثرا خاصة إذا كان من شخص ناجح حقق الكلمات التشجيعية التي يوصي بها؛ ولهذا فإننا نرجو ألا يفهم من قولنا عن المتفائلين أولئك الذين يضحكون على الناس في ميدان سموه البرمجة اللغوية العصبية، فهؤلاء على الأغلب فاشلون لا يتقنون أي مجال إلا اللعب بالكلمات وحسب، وإنما قصدنا بالمتفائلين أصحاب المشاريع الحقيقية الذين بذلوا العرق والجهد للوصول إلى ما يريدون، فهؤلاء صحبتهم مغنم، وكما قيل من أسباب السعادة صحبة الناجحين.
الخطوة السادسة: العمل على مشروع يحقق الشغف
وجودنا في هذه الحياة قصير جدا ونحن في منطقة وسطى بين المكان الذي جئنا منه والمكان الذي سنعود إليه، ومن هنا فإن وجودنا إذا أردنا ألا يكون مجرد عبور بلا بصمة، فإن السبيل إلى ذلك وضع مشاريع يؤمن بها الإنسان وتحقق شغفه، وتترك له أثرا لا ينسى في الأرض، وهذا يوضح لنا مغزى قول الرسول عليه الصلاة والسلام: {إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها}. فهو يؤكد أهمية ترك الأثر في هذه الحياة وأننا وجدنا لنغرس فيها ما يشهد لنا في الحياة وما بعدها.
ضع لنفسك مشروعا يتوافق مع مؤهلاتك وواقعك واصبر واستمتع بإنجازه وستجني ثماره مهما طال زمن صبرك عليه، وهذه سنة نجاح معروفة عند أكثر الناجحين وضعوا هدفا آمنوا به صبروا في العمل عليه، ثم نالوا ثماره. فالعمل على المشاريع علاج لكل مشاعر الأرق والإحباط واليأس.
الخطوة السابعة: الإيمان المطلق بمعية الله:
توجد عبارة تريح النفس تقول: على المرء أن يسعى إلى الخير جهده وليس عليه أن تتم المطالب، هذه العبارة تريح الروح والنفس؛ لأنها نخفف من عبء واقعك إن لم تكن راضيا عنه؛ خاصة إذا كنت ممن يسعون ويعملون ويبذلون طاقتهم في النجاح، ولكن القدر يكون عكس أمنيتك، فمن يؤمن بمعية الله يوقن أن هذه العبارة تفيد أن الله سعيد بك لأنك تعمل، ولن يحاسبك على نتائج عملك، وأكد الله هذه القاعدة بقوله: { وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ}.
هذه القاعدة تثبت في القلب عندما يوقن بوجود ربٍّ مدبّر للكون يعلم كل صغيرة وكبيرة هذا الإيمان يولد في العقل والقلب الإحساس بمعية الله، وهذه المعية تجعل المرء إذا عانى من أرق او إحباط أو يأس او حزن، يبثّ همه إلى الله يحاوره يخاطبه يبين له كل ما يحس به يدعوه ويلتجئ إليه، فينتقل من حالة الإحباط إلى حالة القوة التي لا يستطيع وصفها؛ لأنه استمدها من أعلى قوة لا مثيل لها ألا وهي قوة الله.
هذه خطوات عملية حاولنا فيها أن نوصل رسالة إلى المتلقي المحبط، أن يفك قيد الأرق والإحباط واليأس، ويجرّب، واحدة منها إن لم يستطع القيام بها كلها، وما هذه الكلمات إلا محاولة للمساهمة في بث لغة مغايرة للغة الإحباط المنتشرة بكثرة في أيامنا، أدام الله سعدكم ونجاحكم وتوفيقكم.