منذ أيام وأنا أصادق رواية: مكتبة منتصف الليل وأهم ما يشدّك إليها فكرتها القائمة على أنَّ لكل وجه نراه في الحياة من أحداث تحصل على صفحاتها، وجوهًا أخرى تخفى علينا حقيقتها، فكم من حدث يثير ندمنا لفواته أولذهابه نهرق في سبيله دموعا من الألم والحزن، لكن لو رأينا الوجه الثاني لهذا الحدث فإنه قد يكون السعد والخير فيه، ولقلنا ياااه كم نحن غافلون عن تدبير الله لنا في حياتنا؟!
الرواية والوجوه أو التي سميت في الرواية بالحيوات، ذكرتني بقصة موسى عليه السلام مع الرجل الصالح، حيث إن مسيرة القصة بينهما تقوم على هذه الحقيقة التي تؤكّد قصر إدراكنا للمقدّر علينا، وأنّ ما يؤلمنا قديكون فيه سعدنا وخيرنا، مثل: خرق السفينة في الوجه الذي رآه موسى رأى فيه إغرقًا لأهلها وإفسادًا لأرزاقهم، ولكن الوجه الآخر أظهر أنّ هذا الخرق فيه نجاة لأهلها من سيطرة الملك الظالم، وموت الولد رأى فيه موسى إهلاك روحٍ بريئةٍ لا ذنب ولا جريمة لها، ولكن الوجه المخفي والذي أظهره الرجل الصالح لموسى أرانا أنّ موته إراحةٌ لأهله من أن يكبر ويعقهما ويكون كارثة عليهما، والجدار الذي أصلحه الرجل الصالح مع موسى، رغم عدم إكرام أهل القرية لهما، جعل موسى -عليه السلام- يشعر بالغبن، ولكن الوجه الآخر أظهر أن ما تحت الجدار رزق لأناس خيرين كانوا بأمس الحاجة إليه، وأن جدهما كان من الطاهرين الأنقياء، فما أضاع الله ما تركه لأولاده من بعده. وفي قصة الجدار أيضًا وجهان وجه نظن من خلاله أن كل أهل القرية سيئون ، ولكن تبين أنّ من أكثر الناس صلاحا رجل يعيش في هذه القرية، وهذا يعطينا درسا في عدم الحكم على المجموع بالسوء مهما كان عدد السيئين في المكان الذي نتعامل فيه مع الناس؛ لأنّ هناك وجوه خير لا نراها ولا ندركها.
وهكذا تمضي بنا سفينة الحياة متمايلة في أمواجها وعلينا دائمًا أن نتذكر أن المخفي عن أعيننا في كل حدث نتعرض له هو الوجه الذي ربما يكون فيه الخير والصلاح لنا، وإن كان ما ندركه ونراه كله ألم ومعاناة وقهر وندم.