هل انسحاب أمريكا من الخليج سيشبه خروج بريطانيا خاصة مع برودة العلاقات الحالية
مازال العالم ومنه دول الخليج يعيش على وقع صدمة الانسحاب التاريخي لأمريكا من أفغانستان وما تبعه من استنكار من أطراف سياسية رأت في الانسحاب عشوائية وتشويها لصورة القيادة الأمريكية للعالم، ولكن القيادة الأمريكية دافعت عن قرارها بل مدحته واعتبرته أقوى وأسرع وأكبر عمليات إنقاذ للقوات والحلفاء التي كانت تعمل في أفغانستان، ولم يكن هذا الانسحاب وليد اليوم بل هو نتيجة متوقعة للمتابعين للتحليلات السياسية الأمريكية الذين يرون أنّ “أمريكا أولا” هو ليس شعارا ترامبيا وإنما هو شعار المرحلة السياسية الأمريكية التي لم تعد ترى في نفسها شرطي العالم الذي يتحكم بالقرارات الدولية وينقل قواته فورا إلى أي بلد يخالف سياساته، ويؤكّد هذا الأمر دراسة استخباراتية نشرتها صحيفة الإندبندنت البريطانية ذكرت هذه الدراسة المتوقع لعقد قادم بالنسبة لدول العالم بأسره، هذه الدراسة أظهرت أنّ العالم سيشهد تحولات كبيرة وعلى رأسها تركيز أمريكا على قضاياها الداخلية وعدم استمرار الانتشار خارجيًّا، وهذا ما رأيناه في قيادة ترامب الذي كان يؤكّد في خطاباته وخاصة عندما يخاطب الدول الخليجية أن عليها أن تبدأ بالاستعداد لمرحلة جديدة تتولى هي الدفاع عن نفسها.
انسحاب بريطانيا من الخليج شبيه بما يجري اليوم
إن هذا الأمر المتعلق بالخليج يذكرنا بما ذكره صاحب كتاب الخليج جون بولوك الذي تحدث عن مرحلة سبقت انسحاب البريطانيين حيث كان حكام الدول الخليجية وقتها قلقين جدا من هذا الانسحاب العسكري، وذكر الكاتب أقوال المسؤولين البريطانيين الذين قالوا إنّ بريطانيا لم تعد ترى ضرورة في وجود قواتها في الشرق البعيد، ولكن الكاتب علّق على هذا الكلام بالقول إن الواقع كان عبارة عن عجز مالي بريطاني أدّى إلى اتخاذ قرار الانسحاب سنة 1968 على لسان هارولد ويلسون رئيس الوزراء البريطاني أمام مجلس العموم البريطاني.
وجد الحكام في ذلك الزمن في هذا الانسحاب تنصلا من اتفاقيات أبرمتها بريطانيا معهم ومن وعود كانت على لسان مسؤولوين بريطانيين كانوا يقولون فيها إنهم ملتزمون بالبقاء ولن يفرطوا بالخليج، ولن يوقفوا الاتفاقيات القديمة بمساندة وحماية بريطانيا لهم، لكن القرار كان خلاف ذلك وخاصة أن المحافظين الذين استنكروا قرار حزب العمال بالانسحاب عندما أصبحوا هم أصحاب القرار نفّذوا قرار الانسحاب ولم يلتزموا بما عدوا به.
ولكن ورطة بريطانيا المالية جعلت المحافظين غير قادرين على تنفيذ وعودهم بعدم الانسحاب من الخليج وهذا دفع حكام الخليج لعرض مبلغ مالي يقول المؤلف إنه قدّر وقتها ب 20 مليون جنيه إسترليني تدفع لبريطانيا مقابل عدم سحب قواتها، ولكن مع هذا العرض لم تبق حكومة المحافظين جيشها بالخارج بل على العكس قيلت وقتها الجملية التي نسمعها الآن من الولايات المتحدة الأمريكية، حيث ينقل المؤلف قول وزير الخارجية حزب العمال: “حان الوقت الذي يصبح فيه الوجود العسكري الأجنبي في عاملا مسببا للخلاف وليس قوّةً للتماسك، لقد توصّلتُ إلى نتيجة وهي أنّه كلما سارعت دول الخليج إلى الاعتماد على نفسها كان هذا أفضل”.
بقول الكاتب: “لقد كانت بريطانيا مفلسة وكانت بحاجةٍ إلى كلّ قرش يمكن كسبه، ولكن هذا الحدث”.
لو نظرنا إلى النصين السابقين وأسقطناهما على تصريحات المسؤولين الأمريكيين اليوم لظننا أن الكلام السابق لمسؤولين أمريكيين، فبايدن الرئيس الأمريكي الحالي برر الانسحاب من أفغانستان بالتكاليف المالية التي أنفقت في هذه الحرب، وحيث ذكر أن هذه الحرب كانت تكلف أمركيا 300 مليون دولار يوميًّا، كما أنه أكد أن أمن الولايات المتحدة الأمريكية لا يمكن تعزيزه من خلال نشر آلاف من القوات الأمريكية في أفغانستان.
بالنسبة للدول الخليجية صرنا نسمع كلمات كثيرة من محللين خليجيين على صلة بالحكومات الخليجية يقولون إن الولايات المتحدة لن تدافع عنا ولن تحارب بدلا منا في الأيام القادمة، ويستشهدون على ذلك بالضربات التي تتعرض لها المملكة العربية السعودية في حربها مع الحوثيين حيث يرى المراقبون أن السعودية وحدها هي التي تصد الهجمات دون أي حركة عسكرية ضد الهجمات من الولايات المتحدة.
المشهد يظهر أن الدول الخليجية تتجه وفق ما حصل بعد الانسحاب البريطاني حيث إن الخلافات التي كانت قائمة بين شيوخ القبائل أثناء وجود البرطيانيين تبدّلت إلى تحالف واتحاد في بعض الدول الخليجية، واليوم نرى أن الدول الخليجية تسعى إلى إعاة العلاقات إلى سابق عهدها بعد فترة من المقاطعة من عدة دول خليجية لدولة قطر.
إذن لو كرر المشهد السابق الذي حصل بين الدول الخيجية وبريطانيا، وكذلك الانسحاب الأمريكي السريع من أفغانستان، وأضف إلى ذلك الأزمة المالية الأمريكية التي تعاني منها وتحاول حلها عن طريق بيع السندات، فإنه ربما كما قال أحد المسؤولين البريطانيين تعليقا على إشاعات انسحاب البريطانيين في ذلك الزمن حيث قال لد انتهى زمن برطانيا العظمى وكانت كلماته هذه قبل انسحاب بريطانيا، فربما يكومن زمن الولايات المتحدة العظمى قد بدأ بالأفول، وهذا يعني أنه ربما يكون الانسحاب العسكري الأمريكي من الخليج في أي لحظة، وربما هذا ما يفسر اتجاه الدول الخليجية لعقد اتفاقيات مع قوة تحاول أن تجعل من نفسها بديلا لأمريكا ألا وهي الصين التي سجلت نموا اتقصاديا فاق النمو الاقتصادي الأمركي هذا العام. وكذلك تحالف عسكري مع روسيا، مع أن محللين كثرا يدعون الدول الخليجية إلى الاتجاه نحو تركيا التي حصلت قطيعة بينها وبين عدد من الدول وعلى رأسها السعودية والإمارات فهناك أصوات لآن تدعو الدول لخليجية إلى ضرورة عقد حلف قوي مع تركيا وكذلك مصر والعراق لتكوين قوة تحافظ على هيكلة الدول المهددة في هذه المنطقة اليوم.