معظم الناس في هذا الزمن يفكرون بتعلم لغة جديدة خاصة مع انتشار المعرفة في العالم أجمع ومع الانفتاح العصرني بوساطة الإنترنت ووسائل التواصل التي تستعملها، حيث أصبح العالم أشبه بشقة صغيرة لا بقرية صغيرة، كما أن فوائد تعلم لغة أجنبية يفيد في تنمية الذاكرة وتنشيط الذهن ويقي من خطر الزهايمر. ولكن مسألة إتقان لغة جديدة قد تحبط بمعوق العمر، أو السن الكلمة التي تثير المخاوف والملل والإحباط، حيث إن هناك كثيرين قد أكدوا أهمية البدء بسنّ معينة في تعلم لغة جديدة، فهل مسألة السن حقيقية أم أنها مجرد وهم صنع عقبة أمام تعلم اللغات.
هذا ما سنحاول في هذا المقال الموجز الإجابة عنه
المرحلة العمرية التي تعد الأنسب لتعلم اللغات:
مقولة العلم في الصغر كالنقش على الحجر، لا تعد مجرد مثال تكرره الألسنة بل هو واقع وحقيقة علمية؛ وذلك يرجع إلى عدّة عوامل على رأسها طبيعة دماغ الطفل، وصفاء ذهنه، وليونة حباله الصوتية، ودقة سمعه، هذه الأمور تعد من أهم نوافذ إتقان اللغة؛ لأنّ ما يدخل إلى ذهن الطفل من معلومات يعد أقل من ذلك الذي يتعدى مرحلة البلوغ ويصبح نطاك احتكاكه الاجتماعي أكثر بكثير من الطفل، كما أن ليونة الحبال الصوتية ودقة سمعه عند الطفل، تؤدي إلى إتقان الطفل للغة وفق نطق متحدثيها الأصليين.
في بحث أجري في جامعة هارفرد، ضمّ عالم النفس ستيفن بينكر قام فريق البحث بجمع بيانات حول العمر الحالي للشخص، وكفاءة اللغة والوقت الذي يدرس فيه اللغة الإنجليزية. ولتحقيق نتائج دقيقة لجؤوا إلى أكبر تجمع تجريبي في العالم: الإنترنت.
اجتذب الاختبار في ذروته 100000 زيارة في اليوم. كما تمت مشاركته 300000 مرة على Facebook ، وجعل الصفحة الأولى لـ Reddit وأصبح موضوعًا شائعًا على 4chan ، حيث تبع ذلك مناقشة مدروسة حول كيفية تحديد الخوارزمية لهجة من أسئلة القواعد. جلبت الدراسة متحدثين أصليين لـ 38 لغة مختلفة.
استنادًا إلى درجات قواعد اللغة لدى الأشخاص والمعلومات حول تعلمهم للغة الإنجليزية ، طور الباحثون نماذج تنبأت بالوقت الذي يستغرقه إتقان اللغة وأفضل سن لبدء التعلم. وخلصوا إلى أن القدرة على تعلم لغة جديدة نحويًّا على الأقل، تكون أقوى حتى سن 18 عامًا ، وبعد ذلك يكون هناك انخفاض حاد. وذهب الباحثون إلى أن الطلاقة في اللغة تستدعي البدء في سن العاشرة.
أسباب انخفاض القدرة على تعلم اللغات بعد سن ال18.
هناك ثلاث أفكار رئيسية حول سبب انخفاض القدرة على تعلم اللغة في سن 18: التغيرات الاجتماعية ، والتدخل من اللغة الأساسية للفرد ، واستمرار نمو الدماغ. في سن 18 ، يتخرج الأطفال عادةً من المدرسة الثانوية ويواصلون بدء الدراسة الجامعية أو الالتحاق بقوى العمل بدوام كامل. بمجرد أن يفعلوا ذلك ، قد لا يكون لديهم الوقت أو الفرصة أو بيئة التعلم لدراسة لغة ثانية كما فعلوا عندما كانوا أصغر سناً. بدلاً من ذلك ، من الممكن أنه بعد أن يتقن المرء لغة أولى ، فإن قواعدها تتداخل مع القدرة على تعلم ثانية. أخيرًا ، التغييرات في الدماغ التي تستمر خلال أواخر سن المراهقة وأوائل العشرينات قد تجعل التعلم أكثر صعوبة بطريقة ما.
هل لا يمكننا تعلم لغة جديدة بعد سن 18
هذا لا يعني أننا لا نستطيع تعلم لغة جديدة إذا تجاوزنا سن العشرين. هناك أمثلة عديدة لأشخاص يلتقطون لغة في وقت لاحق في الحياة ، ويبدو أن قدرتنا على تعلم مفردات جديدة تظل ثابتة ، لكن معظمنا سيفعل ذلك. لا تكون قادرًا على إتقان القواعد مثل المتحدثين الأصليين – أو ربما يبدو الأمر كذلك. كونه اختبارًا مكتوبًا ، لم تستطع الدراسة اختبار اللكنة ، لكن البحث السابق يضع الفترة الحرجة لأصوات الكلام حتى قبل ذلك.
طرق تعلم لغة أجنبية في سن متأخرة:
1- تحديد اللغة والهدف من تعلمها:
يعد تحديد الهدف من تعلم اللغة ركيزة أساسية في القدرة على الاستمرار في تعلم أي شيء وخاصة اللغة التي تعد أداة التواصل الرئيسية في بيئات العمل الإنساني المتعددة.
فمثلا قد يكون الغرض من تعلمك للغة السياحة والسفر إلى بلد من البلدان لمجرد الزيارة وحسب، وفي هذه الحالة فإنه يمكنك أن تتعلم عددا قليلًا من المفردات والجمل التي تستخدم في الأماكن التي ستزورها في أثناء رحلتك وسفرك.
2- اختيار الكلمات والجمل المرتبطة بغرض تعلمك اللغة:
إن تعلم اللغة لأغراض خاصة أو ما يعرف اختصارا باللغة الإنكليزية (LSP) ظهر خدمة لغرض معين وهو تعليم العمال اللغة التي تلزمهم لتشغيل الآلات وللتواصل مع مجتعهم الصناعي في إنجلترا، وهذا الأمر لا يتوقف على المصانع وحسب، بل إذا كنت تريد تعلم اللغة للطب فهنا كلمات وجمل خاصة بالطب وقس على ذلك جميع المجالات والميادين العلمية والحياتية.
3- لا تجعل الطلاقة عائقا في طريق تعلمك:
ذكرنا سابقا نتائج الدراسات التي أكدت أن إتقان اللكنة اللغوية للغة من اللغات تكون في سنٍّ مبكرة أنجح وأسرع، ولكن هذا لا يعني أن تتوقف وتحبط، فعليك أن تعلم أنه لا يتطلب التواصل منك أن تتقن دقائق نطق اللغة الأجنبية، بل إن إتقانك للحد الأدنى من لكنة اللغة التي تتعلمها يعد كافيا لك، لتستطيع التواصل مع المجتمع الذي يتكلم اللغة التي تريد أن تتعلّمها.
إن إزالة هذا العائق تعد من أهم الأسس المعينة على الاستمرار في طريق تعلم أي لغة جديدة. فلا تجعل تركيزك على إتقان النطق على أهميته بل استمرّ في التعلم ولا تتوقف إن وجدت نفسك غير متكلم بطلاقة للغة التي تتعلمها.
4- اِسْمَعْ وأَسْمِعك
كلمة قالها الأستاذ الدكتور كمال بشر -رحمه الله- وتعد مختصرة لأهم قواعد تعليم اللغات؛ لأنك عندما تستمع إلى اللغة، وتشارك بصوتك بها فهذا يعني أن الكلمات ستستقر في ذهنك وأن نطقها سيكون أسهل بالمران والحوار الدائم.
فاختر صديقًا وكلمه يوميا بما لا يقل عن 20- 30 دقيقة وحاول أن تجع بين الحوار المنطوق والمكتوب حتى تثبت بالكتابة الكلمات في مخزونك اللغوي، وتتقن كتابتها مع النطق.
ميزات التعلم في سن متأخرة:
صحيح أن التعليم في سن مبكرة يعد أفضل بكثير من السن المتأخرة ولكن أحيانا تكون السن المتأخرة عاملا مساعدا في التعليم، لعدة أمور، منها النضج الفكري، والاستقلال الذاتي، والمخزون الثقافي، فالصغير ربما لا يحرص على التعلم كما يفعل الكبير الذي أدرك الحياة والغرض منها، والهدف الذي يريد تحقيقه من تعلم لغة ما، كما أن استقلاليته في التعليم تعد عاملا وميزة له، فالإنسان الذي يصبح كبير السن لن يتعلم مجبرًا ولن يشعر أن ما يفعله مغاير لرغباته بل سيتجه إلى ما يحب اتباعا لقراره الذاتي وهذا يعني قدرته على الاستمرار والصبر حتى الوصول إلى هدفه ومبتغاه.
وختاما نقول إن كثيرين من الأشخاص تعلّموا اللغة في سنٍّ مبكرة وهذا جعلهم يتكلمون اللغة مثل أهلها، ولكن هذا لا يعني أنه لا يوجد عدد كبير من الناس تعلموا لغة أجنبية وهم في سن متقدمة، المهم أن تتوافر الرغبة والإرادة.
ــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
scientificamerican.com