رمضان شهر المحبة والتعاضد والتقارب – محمد خالد الفجر

ها هو يطل علينا من جديد الشهر العظيم الذي خصّه الله بمزية تفوق جميع الشهور ألا وهي أن جعله الشهر الذي أنار الكون به بأعظم إعجاز ألا وهو القرآن الكريم : {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} فهذا الشهر كان زمان الصلة بين السماء والأرض وزمان الهدى والطهارة والنقاء.

إننا نلحظ أننا في كل سنة تتيه مراكبنا في عالم الشهوات والملذات ونغفل عن الرباط الأبدي بيننا وبين خالقنا فيختار لنا سبحانه البوابة والنافذة العظيمة التي تعيدنا إليه في هذا الشهر العظيم.

لا يتوقف شهر رمضان عند رياضة الجسد على التحمل وتذوق معاني الجوع الجسدي الذي يذكّر بالجياع، بل إننا نرى في هذا الجوع أيضا درسا من دروس التنمية الروحية إذ إن الشبع يلهي ويصرف عن التفكير في الأمور الأعلى من الطعام التي تجعل الروح تحلق في آفاق الوجود.

ومن هنا فإن التكامل في شهر رمضان يكون بأن تتحقق الأسس الكاملة التي توصل إلى علة وجوده {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}

فالتقوى تكون بأن يجمع المرء مع منع الطعام من الدخول إلى جوفه منع البعد والجفاء عن أهله أولا ثم عن جميع إخوانه.

فما أجمل أن نبدأ الصفحة الأولى من صفحات أيام هذا الشهر العظيم بفتح باب الود والتحابب من القلب إلى القلب ومن الروح إلى الروح ونجعل الصوم صوما عن الأذى وصوما عن القطيعة وفتحا لباب التواصل والتصافي ونفيا وإغلاقا لكل أبواب القطيعة.

كم من حبيب في إفطار يوم الغد ستحرق الدمعة فؤاده وهو يفطر ولايرى بقربه من عاش معه سني حياته سواء أكان الغائب أبا أو أما أو أخا أو اختا أو زوجا او زوجة هؤلاء بأمس الحاجة لأن نكون بجوارهم نشعرهم أننا إذا كنا معهم قبل رمضان فإننا في رمضان نحن منهم أقرب وأننا أحباؤهم الباقون بعد رحيل أحبائهم المقربين.

كم من أب وأم ينتظرون في لحظة الإفطار إشعارا من قبل أبنائهم أنهم في هذا الشهر سيجددون برهم وطاعتهم وأنهم لن يفارقوا أقدامهم، ولن تلههم مسلسلات رمضان وأبواب اللهو المفسد للقلب والروح عن أن يستثمروا هذه الأيام الفضيلة بالقرب من أسرهم والتعاضد معهم كي ترفع درجاتنا جميعا ويزيد سجل حسناتنا معا.

هذه الحياة الملهية التي تسرقنا فيها لحظات كثيرة وهمية عن حقيقة وجودنا ومعنى اجتماعنا جميعا في هذه الأرض، شهر رمضان هو المطهّر لنا من تلك الأوهام الراد لنا إلى المعنى الحقيقي لوجودنا، بأن يكمّل كلٌّ منا أخاه وأن يعضد بعضنا بعضا حتى نصل إلى مرفأ الأمان حيث الاستقرار الأبدي والراحة الأبدية التي نرجو الفوز بها عند مالكنا ربنا سبحانه وتعالى.

تقبل الله طاعتكم ورمضان مبارك وكل عام وانتم بخير