أسباب وعلاج كذب الأطفال – د. محمد خالد الفجر
أسباب وعلاج كذب الأطفال
الطفل لوحةٌ بيضاء وأول رسام يبدأ خط الحروف الأولى فيها هما الأبوان، وكما قيل إن الأم ترضع طفلها لغته مع حليبها؛ ولهذا انتشر مصطلح لغة الأم، واللغة هي مركز أو لوحة عرض الأفكار التي تدور في ذهن الولد، وما إن يبدأ الطفل بالحبو على الأرض حتى يبدأ مع حبوه تلقيه للكلمات التي تتولد من بيئة أبويه اللذين ينتميان ويحملان أفكارا تكون لاعبة دورا أساسيًّا في تكوين الطفل اللغوي والفكري، وكما نعلم فإن الطفل يسجل الأفكار في ذهنه حتى قبل نطقه لها بلسانه.
وبعد أن يبدأ الطفل بمرحلة التقليد اللغوي أي يكرر كل كلمة يقولها أبواه له هنا تصبح مسؤولية الآباء أكثر حساسية، فالطفل في هذه المرحلة سينطق معظم ما ينطقه الأبوان من كلمات أمامه؛ ولهذا إذا قال الأبوان كلمة محظورة في المجتمع فإنهما سيشعران بالحرج عندما يعيد الطفل نطقها بلا وعي أمام أصدقاء الأسرة أو في تجمعات عامة.
ثم تأتي المرحلة الأشد خطورة وهي مرحلة تركيب الجمل، في هذه المرحلة سيبدأ الطفل بصياغة تراكيب من لغة محيطه اللغوي الأبوي، وهنا يرتكب بعض الأهل أخطاء كارثية، حيث إن بعض الأسر يظنون أنهم بالكذب على طفلهم يحصلون ما يريدون دون ضرر مثل وعده بأمور ثم عدم تنفيذها مثلا، أو يقال له تعال وسأعطيك ما تحب ثم يأتي الطفل ولا يأخذ ما وعده به أبواه، لكن الحقيقة أن مثل هذه التصرفات لها أثر سلبيٌّ كبير على شخصيته؛إذ إن الطفل سيعيد الأمر نفسه مع أبويه ثم مع أصدقائه ثم مع المجتمع بأسره الذي سينمو فيه، ووقتها سيصعب علاج هذه الظاهرة.
أسباب كذب الطفل:
تحدّثنا آنفا عن كيفية بدء الطفل بالكذب وقلنا إن الأبوين عندما يعدان الطفل بأي فعل ولا ينفذانه له، فإنهما يشجعانه أو لنقل يعلمانه سلوك الكذب، والآن سنتحدث عن أسباب وأشكل الكذب التي تجعل الطفل متطبعا بها في المستقبل والتي ذكرنا جزءا منها فيما تقدم من كلام، فمن هذه الأسباب:
-
الأجوبة الكاذبة:
أن يقرع شخص الباب ويكون الأب لا يريد رؤيته فيطلب من ابنه أن يقول لطارق الباب: قل له أبي ليس موجودا في البيت، فيخرج الطفل ظانًّا أنه يلبي رغبة أبيه ويسعده في طاعته له فيقول لمن على الباب: أبي ليس موجودا، لكن الطرفة أن كثيرين من الأطفال ببراءتهم المعهدوة ربما يقولون لمن على الباب: أبي يقول لك إنه ليس موجودًا!!
هذا السلوك السلبي سينعكس أثره على الأسرة نفسها؛ إذ إن الطفل سيترسب في ذهنه أن هذا السلوك صحيح ومن ثم وبلا وعي ستراه يبدأ بالكذب على أهله بالشكل نفسه، كأن يكون قد فعل شيئا يحاسب عليه في البيت، فيقول لأخته أو لأخيه الأصغر إذا جاء أبي وسأل عني فلا تقل له إنني هنا، بل قل له: ذهب إلى صديقه، أو إلى الدكان…إلخ.
-
القصص الكاذبة
ومن الأشكال أيضا أن يقول الأبوان لابنهما على سبيل الدعابة نحن سافرنا إلى القمر أكثر من مرة بعربة سحرية، فالوالدان يظنان أنهما يريحان الطفل بحكاية خيالية لن يكون لها أي أثر عليه، ولكن لا يعرف هذان الأبوان أن ما يقولانه يُعد دستور حياة لطفلهما فهما بهذه الصورة يجعلان الطفل يسلك السلوك نفسه مع أقرانه في المدرسة ثم مع مجتمعه، ثم في عمله وهنا الكارثة ستكون على المجتمع كاملا، فهو سيبقى مخترعا لأكاذيب خيالية تثير السخرية أحيانا والغضب والنفور في كثير من الأحيان.
-
الخوف من العقوبة:
ومن الأسباب المؤدية لكذب الطفل الخوف من فعل يزجر عليه ويرعبه الأبوان منه إن فعله، هذا الرعب الذي سيتكون في عقل الطفل سيجعله يختار طريق الكذب على أن يعترف بما فعل ليتحاشى ويخلص من العقوبة المنتظرة له، وهنا نريد أن نشير أن العقوبة المعنوية تكون أشد؛ فمثلا لو حصل الولد درجة قليلة في الامتحان وكان أبواه يظهران له أن الموت أهون من تحصيل درجة قليلة، ثم بعد تحصيله للدرجة المتدنية يبدأ أبواه بالسخرية منه أو تعنيفه بالمقارنة بقرينه المتفوق، فإن هذا التصرف أشد من العقوبة الجسدية بكثير؛ لأنه سيكسر شخصية الطفل، وسيجعله إنسانا مهزوزًا يرى نفسه أقل من غيره طوال حياته، هذا بالإضافة إلى أن هذا الجزاء سيحوّل الطفل إلى طريق الكذب كي لا يقع بهذه الورطة.
-
الخلاف بين الأبوين:
ومن الأسباب الخطيرة التي تعد برأيي أخطر أنواع الكذب، أن يكون الأبوان مختلفين، ثم يعمد أحد الأبوين إلى تعليم الطفل أساليب الكذب على الأب أو على الأم، مثل أن تعمد الأم إلى أن تلقن طفلها أو طفلتها أمورا غير حقيقية، ثم تطلب منه أن يخبر أباه، أو أن تخبر أباها بها، هذا لن يجعل الطفل يعتاد الكذب وحسب، بل سيفقد الثقة بأقرب الناس إليه ألا وهما أبواه، وإن لم يظهر الأمر في مرحلة الطفولة فسيشاهد في مرحلة المراهقة والشباب، حيث سيرى من كان يعلم طفله أو طفلته الكذب أن ابنه أو ابنته انتقل أو انتقلت إلى مرحلة عدم الاحترام واستصغار من كان يعلّمه الكذب ليحصل ما يريد عن طريقه، وسيشعر هذا الشاب أنه كان مستغلًّا لتحقيق المصالح، ولهذا سيقل احترامه لمن علمه الكذب كي يصل من خلال كذبه إلى بغيته.
علاج كذب الطفل
الآن سننتقل إلى المرحلة الأصعب وهي عندما يدرك الأبوان أن طفلهما أصبح كاذبا واعتاد الكذب، ويريان أنها أصبحت حالةً مرضيَّةً عنده، فما الحل وما هو علاج هذه المشكلة؟
العلاج هو بكلمة واحدة ألا وهي المصارحة أن يجلس الأبوان جلسة مصارحة مع طفلهما يبينان له خطأها هما وأنهما كان يتصرفان بشكل خاطئ، ثم يبينان له أن كذبه هو حالة ضعف وهو قويٌّ والقوي لا يكذب أبدا، ثم يبدآن بإظهار صدقهما له في جميع المواقف من أصغرها إلى أكبرها، فإذا وعداه بأمر نفذاه له، ويبدآن بالالتزام بتنفيذ الوعد في الوقت المحدّد، ولا يريانه أنهما يكذبان في أي موقف، فمثلا لو كسرت أمه شيئا وسأل الأب من كسر هذا الشيء تجيب الأم فورا أنا كسرتها ويقول لها الأب ذهب غضبي؛ لأنك صدقت في قولك، وكذلك يكافآن ابنهما الأصغر مثلا على صدقه حتى لو فعل أبسط الأمور فيقولان له لا مشكلة المهم أنك صدقت، فما سبق من طرق تعد نوعا من أنواع علاج ظاهرة الكذب لأن الطفل عندما يشاهد هذه التصرفات ويسمع هذه الكلمات سيبدأ بتغيير سلوكه، والانتقالى إلى الصدق؛ لأنه سيشعر أنّ الصدق منجاة والكذب ورطة تصغّره أمام أهله، وأمام أشقائه، والأهم امام نفسه.
وختاما نقول: إنّ أكبر تدمير لشخصية الطفل أن يُعلّمَ الكَذِب من قبل أحد أبويه ولو كان كذبه يتعلق بشيء سخيف، أو أن يدفع إلى الكذب بسبب خوفه من أمرٍ فعله، فهذا سيجعل شخصيته مهزوزة طوال حياته ولن يكون شخصًا طبيعيًّا فلا يوجد صفة ذميمة تصل في سوئها إلى صفة الكذب فهي مفتاح الشرور وتوصل إلى الفجور، وصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “وإيّاكم والكذب، فإنَّ الكذب يهدي إلى الفُجور، وإنَّ الفُجور يهدي إلى النَّار”.
فكما نرى في الحديث كيف تتطور مراحل الكذب وكيف يفتح له طرق الفجور، فلن يكون الكاذب طبيبًا أمينًا على أرواح الناس، ولن يكون قاضيًا يقيم العدل، ولن يكون معلِّمًا مخلصا في تعليمه، ولن يكون مسؤولا يدرك أهمية القيام بمسؤولياته، بل سيكون شخصًا بلا مبادئ لا يلتزم بقيمة ولا يتبع الطرق المستقيمة. ومن هنا فإنّ الخط الأول في طريق شخصية الطفل يكون من قبل الأبوين، ومن بعدها سيكمل هو الخط إن كان صدقًا فسيكون صادقًا أمينًا، وإن كان كذبًا فسيكون فاجرًا هزيلًا.