سنتعرف في هذا المقال على مفهوم الوحدة، وخطورتها على الصحة الجسدية والنفسية، كما سنتكلم عن تأثير وسائل التواصل الإجتماعي في زيادة الشعور بالوحدة ، وبعض النصائح والطرق التي تساعد في التخفيف من الإحساس بها .
أولاً- تعريف الوحدة:
يقصد بالوحدة عدم مشاركة الإنسان مشاعره وأحاسيSه سواءً كانت هذه المشاعر إيجابية أو سلبية مع الآخرين، واحتفاظه بمكنونات نفسه وأفكاره ومشاكله وهمومه حبيسةً في صدره .
فتراه يشعر عند تعرضه لمشاكل الحياة ومصاعبها أنه لن يجد من يقف بجانبه ويساعده على حلّ هذه المشاكل حتى ولو كان ذلك بالكلمة الطيبة، وبالتالي فإنه يشعر بأنه في مهب الريح دائماً ولن يجد من يقدم له يد العون كي ينهض أثناء سقوطه أو يخفف عنه وقع هذا السقوط .
ويعيش أحزانه وأفراحه، نجاحاته وفشله، مرضه وشفاءه بمفرده دون أن يسأل أحد عن أحواله .
كما أنه ليس بالضرورة أن يشعر المرء بالوحدة؛ لأنه يسكن وحيداً ، فقد يكون محاطاً بالكثير من الأشخاص ومع هذا لا يفارقه الشعور بالوحدة .
فقد يشعر الرجل بالوحدة مع زوجته ، وقد تشعر المرأة بالوحدة مع زوجها؛ لأن أحدهما أو كليهما لايجد بالعيش مع الطرف المقابل الشعور بالسكينة والراحة ، ولاينسجمان بالأفكار والتطلعات والأحلام.
فيحتفظ كل منهما بأحزانه، همومه، أفكاره وتطلعاته داخله، ويعيشان حالة تسمى الصمت الزوجي (الخرس الزوجي).
ثانياً- تأثير الشعور بالوحدة على الصحة النفسية والجسدية:
وجد الباحثون أن المعاناة من الشعور بالوحدة تؤدي إلى:
- ارتفاع في مستويات الكورتيزول.
- الشعور بالإجهاد المزمن.
- ويمكن أن يضعف الكورتيزول الأداء المعرفي ، ويضعف الجهاز المناعي ، ويزيد من خطر إصابتك بمشاكل الأوعية الدموية ،أمراض القلب، والسكتة الدماغية.
- انخفاض مستويات الذاكرة والقدرة على التعلم.
- وقد يؤدي الاحساس بالوحدة إلى إدمان الكحول وتعاطي المخدرات.
- كما أنه في بعض الأحيان يكون تأثير خطر الوحدة يضاهي خطر السمنة والتدخين على الصحة.
- والوحدة هي أيضًا عاملُ خطر لمشاكل صحية عقلية أكثر خطورة مثل الاكتئاب والقلق.
- وقد تكون سبباً في الوفاة المبكرة.
ثالثاً- تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في شعور الإنسان بالوحدة:
لاشكّ أنّ وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت في تقريب المسافات وقرّبت البعيد، ولكنها في نفس الوقت باعدت بين يجمعهم مكان قريب سواء أكانوا الأسرة أم الأصدقاء..
فتجد كل فرد من أفراد الأسرة منشغلًا بهاتفه أو حاسبه الآلي عن بقية أفراد عائلته ، ولاتجتمع الأسرة إلّا أثناء تناول الطعام إن اجتمعت .
إن التواصل عبر الوسائل الحديثة، لا يغني أبدًا ع ن التواصل الاجتماعي وجًا لوجه، لأن رؤية الإنسان لا تعني فقط المشاركة بالحديث والأفكار، بل فيها دفء القرب، ونمو الحس الإنساني.
فعلى سبيل المثال إنّ تعرض الإنسان لوفاة شخص قريب له فإن عبارات المواساة التي يتلقاها على وسائل التواصل لن تخفف من حزنه، ولن تساعده على تخطي هذه التجربة القاسية دون أن تترك آثار نفسية كبيرة عليه.
أما عند فتح مراسم عزاء حقيقية فإن إحاطتته بالآخرين ومواساتهم له في هذه الفاجعة ستخفف من شعوره بالحزن والألم وسيتجاوز هذه المرحلة، بحالة نفسية سوية، أمّا إذا بقي أسير الأجهزة، فإن الوفاة قد توصله في وحدته إلى سجن الاكتئاب.
رابعاً- نصائح للتغلب على الوحدة :
1.العمل:
إن من أهم الأسباب التي تساعد في التغلب على مشكلة الإحساس بالوحدة هي العمل والانشغال؛ لأن ذلك يساعد على قتل الفراغ الذي يؤدي إلى الشعور بالمشاعر والأفكار السلبية.
كما أن الوجود في أماكن العمل يشعر الشخص بأنه في وسط اجتماعي يتبادل معه أفكار العمل وتطلعاته ، وقد يجد في زملاء العمل صديقاً وفياً يخرج معه ويشاركه أفراحه وأحزانه .
2.التواصل الجيد مع أفراد الأسرة والأقارب:
إن الاجتماع مع أفراد العائلة بشكل متواصل، وحضور المناسبات الاجتماعية مع الأقارب يساعد في التخفيف من الشعور بالوحدة وقتل أوقات الفراغ.
3.التطوع بالجمعيات الخيرية:
إن من أكبر الأسباب التي تعين على تجاوز الشعور بالوحدة هو تطوع الفرد بالجمعيات والمنظمات الخيرية؛ لأن إحساس العطاء دون مقابل يزيد من الشعور بالسعادة ويشعر الإنسان بأهميته في هذه الحياة .
4.الاهتمام بالمسنين:
إن أكثر من يشعر بالوحدة هم المسنون، فأغلبهم يكونون بلا عمل،فالأولاد يكونون مشغولين بأسرهم وتربية أبنائهم، وأعمالهم خارج البيت، ويبقى المسن وحيدًا بلا أنيس.
وذلك يؤثر بالتأكيد على صحته النفسية والجسدية ، لذا ينبغي على أفراد عائلته الاهتمام به بشكل خاص عن طريق تخصيص الوقت الكافي للحديث والجلوس معه والاطمئنان على صحته وأحواله.
وقد يكون لخروج الجد أو الجدة مع أحفادهم إلى الحدائق والأماكن العامة تأثير كبير على المسن لشعوره بأهميته، واحساسه بأحساسيس الدفء والحنان مع أحفاده.
عصرنا عصر الأمراض النفسية ، والانتحار الكثير، والجرائم الغريبة العجيبة، ولو فتّشنا عن أسبابها لوجدنا أن الوحدة سببٌ ليس هيّنا في وصول المرء إلى إحدى شبكات الهلاك من انتحار، أو إدمان، أو مرض نفسيٍّ يدمر الجسد رويدًا رويدا، وساعدت التنقية وما يعرف بالتشيّؤ على ازدياد ظاهرة الوحدة، وصارت العلاقات تقوم في معظمها على تحقيق المصالح المادية، وينسى الجميع أن المادة وحدها لا تقيم جسد الإنسان، ولا تحافظ على الصحة أثمن كنز يمتلكه الإنسان، بل إن الغذاء الروحي يعد من أهم موارد الطاقة للجسد الإنساني فلنعد حساباتنا، ولنعطِ أنفسنا حقها من العناية والاهتمام حتى لا تصبح فريسة الوحدة القاتلة.