كيف بدأت الإعلانات القوة الناعمة التي تجذب الملايين وينفق عليها المليارات

لو قلنا إن زمننا زمن الإعلانات في جميع الميادين لما كنا مبالغين أبدا، هذه الأداة التي تجذب اليوم ملايين الشركات وينفق عليها ملايين الدولارات تعد اليوم مفتاح النجاح لكثير من الناس ليس في قطاع معين بل في جميع القطاعات، بل إن هذه الأداة قد تجعل شخصا مغمورا مشهورا ومعروفا ولو كان لا يملك شيئا مما يعلن عنه إذا أحسن صياغة وإعداد الإعلان الذي يعبر عنه.

اليوم الحروب بين الدول قد يؤثر في انتصار دولة على أخرى قوة الإعلان الذي تبثه الدولة المنتصرة، أغنى شركات العالم اليوم قوتها المالية بل يمكن القول إن مصدر ثروتها الوحيد هو الإعلانات، فهل تعتمد جوجل وفيس بوك إلا على الإعلانات في كونهما عملاقي ميدان التكنولوجيا عالميا.

في هذا المقال سنعرض لكم كيف بدأ الإعلان عالميا وكيف غزا الأرض وسيطر على العقول وسحر الألباب.

الإعلان لغويًّا:

عندما نتتبع معنى كلمة إعلان في المعاجم العربية فإننا سنجد الآتي، في لسان العرب يقول ابن منظور: “والإِعْلانُ: المُجاهرة. عَلَن الأَمْرُ يَعْلُنُ عُلُوناً ويَعْلِنُ وعَلِنَ يَعْلَنُ عَلَناً وعَلانية فيهما إذا شاع وظهر”

وفي الشعر العربي نقرأ قول الشاعر حاجب بن حُبيب الذي يقول:

أعلنتُ في حُبِّ جُمل أي ‌إعلان … وقد بدا شأنها من بعد كتمان

إذن نجد أن المعنى العام للإعلان في معاجم اللغة قديما يتجه نحو معنى الإظهار ومنهم من جعلوه مقابلا لإفشاء السر، ولكن غالبا ما تذكر هذه الكلمة مع كلمة النكاح بمعنى إظهار النكاح.

وفي المعاجم الحديثة نجد المعجم الوسيط يحدّد معنى الإعلان بالمفهوم الرائج في هذه الإيام فيقول:

“الإعْلان : إظهارُ الشيء بالنشر عنه في الصُّحفِ ونحوِها”.

أما في معاجم الإكليزية فنجد تعريفا شاملا للإعلان ففي معجم أكسفورد نطالع التعريف الآتي للإعلان: “الإعلان عن إشعار أو صورة أو فيلم يخبر الناس عن منتج أو وظيفة أو خدمة؛ مثال على شيء يظهر صفاته الحميدة، ويتم نشر الإعلانات في التلفاز أو وعلى وسائل التواصل الاجتماعي.”

متى وكيف بدأت الإعلانات:

بدأت الخطوات الأولى للإعلانات بمفهومها الحديث وفق الموسوعة البريطانية في القرنين الخامس والسادس عشر، فقد نصت الموسوعة البريطانية على الآتي: “جاءت الخطوة الأولى نحو الإعلان الحديث مع تطور الطباعة في القرنين الخامس عشر والسادس عشر. وفي القرن السابع عشر ، بدأت الصحف الأسبوعية في لندن في نشر الإعلانات ، وبحلول القرن الثامن عشر  أصبحت هذه الإعلانات مزدهرة”

وتقول الموسوع البريطانية إن التوسع الكبير في صناعة الإعلانات تطورت جدا في في القرن التاسع عشر وخاصة في الولايات المتحدة بشكل أساسي، حيث شهد هذا القرن إنشاء وكالات إعلانية. كانت الوكالات الأولى ، في جوهرها، وسطاء للمساحات في الصحف. ولكن بحلول أوائل القرن العشرين ، انخرطت الوكالات في إنتاج الرسالة الإعلانية نفسها ، بما في ذلك النسخ والأعمال الفنية ، وبحلول عشرينيات القرن الماضي ، ظهرت الوكالات التي يمكنها تخطيط وتنفيذ حملات إعلانية كاملة ، من البحث الأولي إلى إعداد النسخ إلى التنسيب في وسائل الإعلام المختلفة.

ما هو أول إعلان تلفزيوني:

بعد ظهور التلفاز اتجهت الشركات إلى عرض منتجاتها والإعلان عنها عبر الشاشة الصغيرة، وإذا كنت تريد أن تعرف أول إعلان ظهر في العالم فإليك الجواب:

تم بث الإعلان الأول في الولايات المتحدة في 1 يوليو 1941 عبر محطة WNBT في نيويورك – والتي لا تزال تعمل باسم WNBC ، “القناة الرابعة”.

وكان الإعلان لصانع الساعات بولوفا ، وعُرض قبل مباراة بيسبول بين فريق بروكلين دودجرز وفيلادلفيا فيليس. قرأ “Bulova Watch Time” ، وأظهر مزيجًا من شعارهم جنبًا إلى جنب مع نموذج اختبار WNBT ، بحيث بدا وكأنه وجه ساعة. يُعتقد أن بولوفا دفعت ما بين 4 إلى 9 دولارات مقابل الإعلان.  أما اليوم فإن الإعلان التلفزيوني على قناة تلفزيونية خلال ذروة الطلب على المشاهدة مثل لعبة رياضية ، سيكلف اليوم عدة ملايين من الدولارات.

الإعلانات في القرن الحادي والعشرين:

شهد القرن الحادي والعشرون طفرة جديدة ونقلة نوعية في صناعة الإعلان حيث دخلت التكنولوجيا هذا العالم وكانت سنة 2009 نقطة بداية إعلانات الفيديو الرقمية.

ومع هذه التقنية الجديدة بدأت المنصات العالمية تسعى إلى استثمار في ميدان جديد وهو معرفة ميول مستخدميها وحالتهم النفسية بحيث يظهر لهم الإعلان الذي يتفق وميولهم، وهذا ما نجده اليوم في منصتي جوجل والفيس بوك حيث تعتمدان في فلسفة نشر |علاناتهما على اتجاه وميول المستعملين ولهذا يقبل المعلون على هاتين المنصتين إقبالا كثيفا.

لم يعد الإعلان اليوم منحصرا بالشركات الكبرى بل أصبح متاحا لكل من يملك قليلا من المال حيث كثرت المنصات التي يمكنه من خلالها التسويق لمنتجه أو  للمهارة التي يمتلكها.

وصل الأمر في زمننا أنه إذا لم تعلن عن نفسك وتقوم بإظهار ما لديك للجمهور فإنه ربما لن يسمع بك أحد مهما بلغت من مستوى فكري وخبرة علمية وعملية ومهما كان المنتج الذي تقدمه مرغوبا فيه.

التقنية اليوم جعلت عالم الإعلان علما مستقلا وميدان عمل لكثيرين وبهذا أصبح ضمن ما يعرف بالقوى الناعمة الفعالة والمؤثرة والمغيرة لاتجاهات الجماهير في جميع أنحاء العالم.