الخطابة فن تواصلي فكيف تكون خطيبا ناجحا د. محمد خالد الفجر
الخطابة فن تواصلي تحتاج إلى مؤهلات ليصبح الإنسان خطيبا ناجحا وعلى رأس هذه المؤهلات تأتي الموهبة التي يؤتيها الله لمن يشاء من عباده.
وهي هذا المقال سنتناول سمات الخطيب السيئ وسمات الخطيب الجيد، كما أننا سنتحدث عن مقترحات تؤهل الخطباء وتجعلهم متمكنين من هذا الفن.
أولًا- سمات الخطيب السيئ:
سنبدأ معكم بالتعرف على سمات الخطيب السيئ كي لا تقع في هذه السمات إذا كنت من الراغبين في إتقان فن الخطابة، وإليك أهم السمات التي تجعل الخطيب سيئا وغير ممتلك لفن الخطابة:
1- اللغة الهجومية:
بعض الخطباء وخاصة في خطب الجمع تراهم يحدثون الناس وكأنهم هم سبب كل بلاء في الأرض، ويوجهون للناس كلاما مؤذيا ومنفّرًا، فمن تكن خطابته بهذا الشكل فإنه خطيب سيئ لا يحترم الناس الذين يعطونه أهم ما يملكون وهو الوقت للاستماع إليه.
2- اللغة المتقعرة:
بعض الخطباء يعمدون إلى استعمال كلمات غير مفهومة ظانين أنهم بذلك يبهرون المستمعين بمقدرتهم اللغوية، ولكنهم بهذه اللغة يجعلون الناس يعانون من الملل والرغبة في ترك الخطبة.
وقال أبو داود الإيادي: “تلخيص المعاني رفق، والاستعانة بالغريب عجز”
3- الإطالة:
بعض الخطباء ينسون أنفسهم وينسون أن الناس لهم أشغال وأعمال فتراهم يتكلمون مدة يمل منها السامع وينفر منها المشغول وخاصة أولئك الخطباء، الذين يكررون الكلام نفسه ويعيدون في الخطبة نفسها الفكرة أكثر من مرة وكأنهم يظنون أن المستمعين قاصرو الفهم.
هذه برأيي أهم سمات الخطيب السيئ المنفر، وسننتقل معكم الآن إلى سمات الخطيب المتمكن.
4- الصياح ورفع الصوت دون سبب:
هناك عدد مازال يفضل نغمة واحدة في الخطابة تقوم على رفع الصوت والانفعال ولكن مثل هذا النوع من الأداء لا يقبل عند العقلانيين الذين يهمهم المعلومة اكثر من الانفعال
وقد ذكر الأدباء قديما آفة الخطيب المتكلف حيث قال الجاحظ: “ثم اعلم- أبقاك الله- أن صاحب التشديق والتقعير والتقعيب من الخطباء والبلغاء مع سماجة التكلف، وشنعة التزيد، أعذر من عييّ يتكلف الخطابة”
ثانيًا – سمات الخطيب المتمكن:
الخطيب المتمكن بمتاز بــ:
1- الثقافة الاجتماعية:
ونقصد بهذه الثقافة أن يكون الإنسان الذي يريد أن يكون خطيبا مطلعا على ثقافة الناس الذين سيخاطبهم يعرف عاداتهم وما يسمح بقوله وما لا يقبل قوله في ثقافتهم الاجتماعية.
2- التمكن اللغوي:
الخطبة حالة تواصلية وأهم أداة للتواصل بين الناس هي اللغة التي كما عرفها ابن جني: “أصوات يعبر بهها كل قوم عن أغراضهم” فالخطيب الناجح يتمكن من أهم اداة تواصلية وهي اللغة؛ لأن من يمتلك ناصية اللغة سيعرف كيف يختار الجمل التي تحترم المستمع تؤثر فيه.
فعلى الخطيب الراغب في أن يكون مؤثرا أن ينمي مخزونه اللغوي بالكلمات السهلة المفهومة الفصيحة المعبرة عن غرضه ببلاغة مفهومة غير حوشية ولا متقعرة.
3- الأداء اللغوي التنغيمي:
أقصد بالأداء اللغوي التنغيمي أن يكون الخطيب يعرف كيف يخرج الحروف من مخارجها دون تكلف وأن يعطي كل سياق لغوي حقه التنغيمي في إيصال المعنى، فالاستفهام له نغمة، والتعجب له نغمة مختلفة، والنداء …إلخ.
وهذا الأداء اللغوي يحتاج إلى دربة مستمرة لأن بعض الناس يمتلك الخامة الصوتية، ولكنه لا يمتلك الأداء التنغيمي الذي يؤدي المعني بالصوت.
وقد شبه الفارابي الأصوات اللغوية بالنغمات الموسيقية.
ولهذا فالخطيب الناجح ينوع في نغماته الصوتية بطريقة لا تزعح الأذن ولا تشعر بالملل لأن الخطابة لا بد لها من نعمة صوتية تميزها عن الأداء اللغوي لنص إخباري مثلا أو لقراءة مقال في مجلة الخطابة تحتاج إلى تنوع النغمات وهذا يعرفه من يتقن علامات الترقيم أو من يوظف علامات الترقيم لخدمة المعنى
4- احترام المستمعين:
الخطيب الناجح لا يتعامل مع المستمعين وكأنهم أطفال في روضة بل يختار العبارات التي تشعرهم بأهمية وجودهم بالمختصر يحترم عقل المستمعين، ويكون ذواقا في تقدير استماعهم وإنصاتهم له
ولهذا انتشر في الكتب خبر الاستفسار عن شيب عبد الملك بن مروان الذي قال فيه السائل: عجل عليك الشيب يا أمير المؤمنين! قال: «وكيف لا يعجل عليّ وأنا أعرض عقلي على الناس في كل جمعة مرة أو مرتين».
هذا الكلام يدل على مدى احترام الخليفة الأموي عبد الملك لمستمعيه وأنه يتخير أفضل الأساليب كي لا يسيء لنفسه إذا فشلت خطبته.
ثالثًا- اقتراح للتدريب على الخطابة:
في ظل التفلت الخطابي فإنه لا بد من إيجاد مؤسسات تعنى بفن الخطابة وخاصة في الجامعات وتحديدا في كليات الآداب قسم اللغة العربية، فليتهم يخصصون حصصا عملية تكون للتدرب على الأداء الخطابي، وفق العصر الذي نعيش فيه.
فيديو:
لمزيد من الفائدة ندعوكم إلى مشاهدة هذا الفيديو: