في زمن الشدة والضائقة تختبر النفوس وتختبر معادن الرجال والنساء الفضليات، ولكن الاختبار يكون أشد والعقاب أقسى لأولئك الذين يكونون مكرمين زمن المحن والأزمات، وتراهم لا يتوقفون عن الشكوى والتململ، وكثيرون حولهم يتمنون ربع أو نصف ربع ما هم فيه من نعم.
فالشيطان همه أن يجعل الإنسان فقيرًا ضائق النفس، حتى ولو كان من أكثر الناس نعمة وفضلا، لكن الشيطان يدخل إليه من مداخل متعددة ليحرمه من الإحساس بالنعم التي هو فيها.
وأول مداخل الشيطان تكون بأن يشعرك بأنك لا تأخذ كما يأخذ فلان والأكثر يكون هذا الوسواس عند النساء حيث ترى أكثرهن -إلا من رحم ربنا- دائمات الشعور بأنهن لا يحصلن ما تحصل عليه قريناتها من النساء ويبقى هذا الشعور يأكل في قلب من يصدقه من ذكر أو أنثى حتى يحرمه أو يحرمها من شكر الله على نعمه، ويعاقب بزوالها فالله أقام هذا الكون على أسس وقوانين لُخِّصت بقوله: “لا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ۚ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ” أي أن هذا الكون الذي يتكون من الليل والنهار يسير وفق قانون ثابت لا يتغير ولا يتبدل وهكذا نواميس المعاملات مع موجودات الكون تقوم على مبدأ: “لَئِن شَكَرْتُم لَأَزِيدَنَّكُمْ”.
فليست نتيجة عدم الإحساس بالنعم زوالها المفضي لندم قاتل وحسب، بل أيضًا يؤدي إلى الحرمان من التمتع بها وقت وجودها فاللهم أعنا على شكر نعمك الظاهرة والباطنة وأبعد عن وسوسة الشياطين الجنية والإنسية واجعلنا مقدرين لمن جعلته سببا في نعمة لنا نعرف قدره ونسعد قلبه ولا نجرحه لمجرد وسوسة تافهة كاذبة. كم يحرم أناس من خير وفير بسبب وهم وسواسي شيطاني يخوفهم من مستقبل مجهول، ويزرع في قلوبهم ظنونا تنسيهم فضل الله وفضل أناس محبين لهم فعلوا كل شيء لإسعادهم، فهنيئا لمن عرف فضل ربه وصرف عن أذنه وقلبه كل الوساوس، وتذكر دائما وأبدا أنها أيام معدودات وسيرحل والأصعب أن يرحل أحبابه وهم في قلوبهم زعل وقهر منه، الموفق من عرف الوسوسة فاستعاذ منها وتذكر نعم ربه فما نسي شكرها.