حكاية الذهب الأسود وكيف حوّل منطقة صحراوية يصعب العيش فيها إلى مقصد لشعوب من ألوان وأعراق ودول مختلفة تشد الباحث والقارئ، المهتم بالشأن الخليجي وبشأن العمل والاقتصاد بشكل عام، وفي هذا المقال سنحكي لكم كيف اكتشف أول بئر نفط في الخليج، وسنبدأ بلمحة موجزة عن منطقة الخليج قبل اكتشاف النفط، لنعرف الفارق بين ما كان وما حدث وما يحدث الآن
الخليج العربي قبل اكتشاف النفط:
كيف كان واقع الخليج قبل الثروة النفطية؟ لم تكن منطقة الخليج قبل اكتشاف النفط منطقة هامشية في العالم، فهي تمثل مهبط الوحي، ولهذا فإن لها مكانة دينية عند معظم المسلمين وخاصة مكة والمدينة، ويصاف إلى ذلك أن هذه البقعة في الأرض كانت وما زالت مكانا للتجارة بين عدة قارات، وهذا ما جعلها محل صراعات قديمة من أجل طرق التجارة التي حاول البرتغاليون احتلالها أكثر من مرة وعقدوا صفقات مع الإيرانيين، في فترة الشاه إسماعيل لمواجهة الأشخاص المعارضين للوجود البرتغالي في (مضيق هرمز)، وكانت هذه المنطقة تشهد بين الفينة والأخرى ثورات من الأهالي ضد الوجود البرتغالي فيها لكنها كانت تبوء بالفشل، وشاتد الصراع بعد بزوغ قوة العثمانيين الذين حاولوا أكثر من مرة طرد البرتغاليين من هرمز ولكن الصراع الأقوى كان سنة 1538، الذي كان يبوء بالفشل من قبل الأسطول التركي، وكانت خسارة معركة 1550 دافعة للعثمانيين لتجهيز أسطول بحري بقيادة بيريك الذي طرد الحامية البرتغالية من هرمز. واستطاعت القوات العثمانية بقيادة علي بك الوصول إلى مسقط سنة 1581.
ثم استطاع البرتغاليون استعادتها بعد ذلك وبحسب صاحب كتاب دليل الخليج، فإن البرتغاليين كانوا القوة الأوربية الوحيدة الموجودة في ذلك الوقت وذلك من 1507 وحتى بدء مراحل ضعفهم على يد الإسبان سنة 1530-1560 .
ثم بدأ الهولنديون بالظهور على الساحة الخليجية سنة 1600، لكن الظهور الأوري الأقوى كان مع صعود إنكلترا عالميًّا وأطماعها التجارية في العالم وخاصة مع شركة الهند الشرقية التي أنشأت وكالة تجارية في الخليج وذلك سنة 1616.
وبدأت إنكلترا بالسيطرة على تجارة السواحل في منطقة الخليج مع مرحلة ضعف البرتغاليين والإسبان، وبدؤوا أولا مع الموانئ الإيرانية.
وعقد اتفاق بين الإيرانيين وإنكلترا سنة 1617 حيث أصدر الشاه عباس الأول فرمانا نصّ على حرية البيع والشراء لجميع الرعايا الإنكليز في الأراضي الإيرانية.
وبعد سنة 1618 استطاع الإيرانيون بمساعدة الإنكليز السيطرة على حصن هرمز وتقاسموا التجارة من خلاله، ورسا الأسطول الإنكليزي في هرمز سنة 1622.
إذن نلاحظ من خلال هذ السرد التاريخي أن هرمز كانت المنطقة الأهم في الخليج، بالنسبة لدول العالم الكبرى في ذلك الزمن، وأنها تمثل ممرا تجاريًّا يعتبر نافذة للسيرطة على التجارة العالمية.
ومن هنا رأينا هذا الصراع الكبير على هذه النقطة، في الخليج وبهذا يتبين لنا أن الخليج كان يمثل أهمية من ناحية ربط التجارة بين الشرق والغرب.
وفي القنر الثامن عشر وبعد سيطرة البريطانيين على الخليج وعقدها صفقات حماية مع عدد من الإمارات الخليجية، حيث كانت متوزعة على النحو الآتي:
آل سعود في السعودية، وآل خليفة في البحرين، وآل الصباح في الكويت، وآل ثاني في قطري، وآلأ مكتوم في دبي، وآل نهيان في أبو ظبي.
في هذه المرحلة كانت الثروة الخليجية تقوم على اللؤلؤ وزراعة بعض المنتجات الزراعية مثل التمر، وكان معظم ساكني شبه الجزيرة يعتمدون على التنقل والترحال، وكانت في عمومها منطقة فقيرة.
كان للؤلؤ مكانة كبيرة في منطقة الخليج حيث وصل لؤلؤها إلى الهند، وتركيا وبريطانيا والصين، وكان لهذه التجارة دور في دفع عجلة الاقتصاد في الخليج العربي، وخاصة في منتصف القرن التاسع عشر.
الخليج العربي مع بدء اكتشاف أول بئر نفط:
قبل الحديث عن اكتشاف النفط في الخليج سنبدأ يلمحة موجزة عن حكاية اكتشاف الذهب الأسود في العالم، حيث يرجع المؤرخون أول اكتشاف للبرتول إلى 600 قبل الميلاد، وتروي كتب التاريخ أن هذا الاكتشاف كان من قبل الصينين، ولكن الاكتشاف الذي أدخله عنصرا مهما بل الأهم من عناصر الطاقة وغير وجه التاريخ الاقتصادي في العالم، كان في بنسلفانيا سنة 1859 من قبل الكولونيل دريك، و سنة 1901 في تكساس.
ومع سرعة الطلب على الكهرباء والسيارات وجد العالم في البرتول بديلا عن الفحم لما يتميز به البترول من مرونة وتكيف، وكانت أول شركة بترول في العالم هي شركة (بنسلفانيا روك أويل) .
بدأ اكتشاف النفط في مارس سنة 1908 من قبل جورج برنارد رينولدز في إيران، وأما أول تاريخ لإنتاج النفط في وطننا العربي فكان سنة 1927 في كل من السعودية والكويت والبحرين، وقد قام باكتشافه شخص بريطاني يطلق عليه أبو البترول وهو فرانك هولمز. الذي كان مهندس تعدين الذي ساعد في إنشاء النقابة الشرقية والعامة في لندن لتطوير المشاريع النفطية في الشرق الأوسط.
وفي سنة 1923 منح ابن سعود امتيازًا لهولمز للتنقيب ع ن النفط في أراض السعودية، واختيرت وقتها منطقة الإحساء الشرقية مقابل 2500 جنية إسترليني. ولكن العمل توقف لاحقا وتحول هولمز إلى البحرين وكانت المفاجأة أن بدء اكتشاف النفط كان في العراق، الذي كان تحت لسيطرة العثمانية سنة 1927.
وفي عام 1934 أنتجت البحرين 39000 طن أي 285000 ألف برميل، وبعد توحيد السعودية تحت حكم آل سعود سنة 1932، وكان العالم الغربي وقتها في حالة ركودٍ اقتصادي.
وبعد إقناع ابن سعود بوجود ثروة هائلة من النفط في أراضيه وقع على عقد سنة 1933 مع الشركة الأمريكية (California Arabian Standard Oil Company) عقدا للتنقيب عن النفط في الأراضي السعودية، وبدئ بحفر أول بئر في الدمّام ، وبعد عدة محاولات باءت بالفشل جاء الخبر السار سنة 1938 بإنتاج أول 1585 برميلا ثم ارتفع بعد أيام إلى 3690 برميلا.
وفي سة 1939 مُدّ أول خط أنابيب من الدمّام إلى ميناء رأس التنورة، وشحنت أول شحنة فقط من الميناء المذكور آنفا سنة 1939. ثم اكتشف النفط في الكويت سنة 1935، وبدئ باستخراجه سنة 1937.
ليبدأ بعدها عصرالذهب الأسود في منطقة الخليج العربي.
ما هو مستقبل آبار النفط في الخليج العربي:
في دراسة قديمة لمعهد تحليل الأمن العالمي صدرت سنة 2003-2004 تبين الدراسة أن منطقة الشرق الأوسط تتحكم ب 66% من احتياطات النفط العالمية وبينت الدراسة كيف يتوزع احتياطي النفط:
- المملكة العربية السعودية (25%).
- العراق (11%).
- إيران (8%).
- الإمارات العربية المتحدة (9%).
- الكويت (9%).
- ليبيا (2%).
قدّرت الدراسة أنه على الرغم من دخول مصدرين جدد على ساحة المنافسة في تصدير البترول إلا أن احتياطي الدول المتموضعة خارج الشرق الأوسط ينفد أسرع مما لدى الشرق الأوسط من البترول ورأت الدراسة أنّ الاحتياطات التقديرية للدول الواقعة خارج الشرق الأوسط ستستمر قرابة 15 عاما أما الشرق الأوسط فإن الاحتياطات التقديرية يمكن أن تستمر بهذه الوتيرة من الإنتاجو التدصير حتى 80 عامًا.
ولهذا فإن الخزان الوفير للنفط سيبقى في منطقة الشرق الأوسط بعد عقدين من الزمن؛ ولهذا فإن الدراسة رأت وقتها أن نفوذ دول الشرق الأوسط سيعود مثلما كان في السبعينيات من ناحية التحكم بسوق النفط وأسعاره.
ولهذا فإن الدراسة تدعو الولايات المتحدة إلى الشروع بإيجاد بدائل للطاقة تغنيهم عن النفط، ومع أننا في العقد الثاني من الألفية الثالثة ومع كثرة البدائل التي تظهر اليوم وخاصة في مجال النقل المعتمد على الطاقة الكهربائية النظيفة، إلا أننا وبعد جائحة كورونا نرى أن سعر برميل النفط الذي وصل قبل أعوام إلى أقل من 30 دولارا عاد اليوم ليلامس ال80 دولارًا مع كثرة الطلب، وخاصة بعد أزمة الغاز الأخيرة في أوربة.
وفي النهاية كيف سيكون مصير هذه الثروة؟ يمكننا القول إن كل ثروة تقل ويحكم عليها أنها آلية للانتهاء لا يمكن أن تفقد قيمتها، ولكن مع هذا فإن دول الخليج نفسها بدأت بالسعي الحثيث لتنويع مصادر دخلهاا خشية من نضوب النفط أو قلة الاعتماد عليه عالميًّا.