العائلة: لا يزال العالم يعاني حتى الآن ومنذ سنة تقريبا من انتشار الآفة التي صارت معروفة عند الصغير والكبير وفي مشارق الأرض ومغاربها، لكن لم يقتصر أمرها على فراق الأحبة واحتجاز كثيرين في المستشفيات على أجهزة التنفس بعيدين عن أحبائهم بل محجوزين عن التواصل مع كثير الناس.
الأمر تعدى ذلك إلى الآثار الاجتماعية من سرقات وقتل وغيرها من الأمور المحزنة التي نلحظها يوميا حتى في تحركاتنا في الأسواق والمتاجر تجد الناس كلهم يعانون ويقولون العبارة المألوفة أصبحت الحياة مقرفة.
أثر الوباء على حياة العائلة
َالأمر وصل إلى العائلات والأسر فمنذ أيام نقلت الأخبار حيث أعيش نبأ جريمتين في يومين متتاليين الجريمة الأولى:
زوج وزوجة يتشاجران كما يحصل في كثير من البيوت ثم يعلو صوتهما فيشتد غضب الزوج حتى يغلب على عقله فيمسك سكينا ويذبح زوجته من عنقها أمام ولدها الزوج مهندس والزوجة كانت تدرب الناس في أحد مراكز التعليم.
الجريمة الثانية حصلت في بيت زوجي يجمع الزوج والأم والابن والجدة أم الأب يبدأ جدال بين الزوج والزوجة يتطور إلى نقاش حادٍّ يصل بالزوج إلى حمل بندقيته وإطلاق النار على زوجته فتسقط جثة هامدة أمام ولدها الذي لم يتمالك نفسه فحمل بندقيته وأطلق النار على أبيه وجدته فسقطا ميتين.
هاتان الجريمتان ليستا من محض الخيال بل وقعتا من أيام قليلة، هذه الأمور جعلت علماء النفس يتوقفون عند هذا الواقع الذي ينتشر في العالم كله حيث تطالعنا الأخبار عن حوادث أسرية من انفصال إلى طلاق إلى جرائم قتل.
ففي بريطانيا مثلا نطالع مقالا يتحدث عن خطورة أثر الوباء على العلاقات الأسرية ويبدأ بالقصة الآتية:
بعد سبع سنوات من الزواج ، تقدمت صوفي تورنر البالغة من العمر 29 عامًا وزوجها بطلب الطلاق. لم يناقشا قط الانفصال قبل أزمة فيروس كورونا ، لكن أثناء الوباء ، توتر زواجهما. يقول تيرنر ، وهو عامل دعم للخدمات الاجتماعية للأطفال في سوفولك ، إنجلترا: “لقد كنت أكثر توتراً ، وكان كل شيء في طور النمو ، وقررنا الافنصال التجريبي. “بسرعة كبيرة أدركنا أنه سيكون أكثر ديمومة من ذلك.”
وينقل المقال أن إحدى شركات المحاماة الرائدة أصدرت نتيجة تقول إن زيادة الاستفسارات عن الطلاق زادت بنسبة 122% مقارنة بالعام الذي سبق الجائحة.
إن معظم الآراء في العالم تجمع على أن الوضع المادي والقلق من الوضع الاقتصادي القادم وخسارة الوظائف هو السبب في زيادة المشكلات الأسرية وزيادة حالات الانفصال والطلاق.
وأضافوا إلى هذا العامل عاملا آخر وهو الملل من كثرة الجلوس في البيت والروتين القاتل والانطوائية في البلدان التي فرضت الحظر على مواطنيها، وهنا يأتي السؤال المتكرر دائما هل الحظر أكثر فائدةً على الوضع النفسي للمواطنين أم أن رفعه وجعل الناس تتحمل المسؤولية عن صحتهم هو الأفضل سؤال جعل دولا تغاير ما سار عليه العالم في الحظر وأقصد هنا الدول القوية اقتصاديا مثل السويد التي لم تفرض حظرًا على الناس واكتفت بالتعلميات والإرشادات والتدابير التي انتشرت في العالم كله للتخفيف من انتشار الوباء
في مقال البي بي سي نقف على قول ل نويل بيل ، المتخصص في النمو الشخصي في لندن الذي يرى أن الوباء يدفع أيضًا إلى المزيد من عمليات إعادة التقييم الوجودية لما يريده الناس في حياتهم ومن يريدونه. يتضح هذا من الأدلة التي تظهر أن الناس يتطلعون إلى الانتقال من منزلهم إلى أسلوب حياة مختلف، إعادة التقييم هذه تحدث أيضًا في الزيجات ، حيث يعيد الأزواج تقييم خيارات حياتهم واحتياجاتهم العاطفية يقول: “لقد ذكّرتنا ضغوط الوباء جميعًا بأن الحياة قد تكون قصيرة وأننا مكلفون بتقييم كيف ومع من نقضي وقتنا الثمين”.
ما الحل؟
هذه الأسئلة الوجودية تكبر في الفراغ وفي الجلوس بالبيت ومن هنا فإننا نجد أن البلدان التي فرضت حظرا على مواطنيها ربما استطاعت التخفيف من انتشار الجائحة، لكنها أوجدت جاحة أخرى تضرب النسيج الاجتماعي.
فعلا الحياة الآن تعيش مرحلة انتقالية ليس على مستوى التكنولوجيا وحسب، بل على أهم معالمها الحياة الأسرية التي أصبحت مضطرةً للتكيف مع أوضاع جديدة لم تكن قد عهدتها سابقا. فالحقيقة لا أحد يدري متى ينتهي هذا الفيروس والأمر الآخر هل نهايته تعني عدم مجيء فيروس جديد؟!
الشيء الذي يمكن أن يساعد في تجديد أواصر العائلة هو التمسك بقيمة أخرى فوق هذه الحياة وهي أصعب امتحان للنفس البشرية التي تعاني ظروفًا ماديّةً قاسيةً، فكيف ستطلب ممن لا يستطيع تأمين حياته أن يكون ذا قيمة؟!
إن هذا الأمر يحتاج إلى عقيدة يمكن وصفها ب:كالجبال دون مبالغة، عقيدة قوية تعرف أن هذه الحياة ما هي إلا ممر إلى حياة ثانية لا يكون فيها تقلبات ولا تبدلات ولا تغيرات وعندما يصبح هذا اليقين في القلب تخف الضغوط النفسية، وإذا خفّت الضغوط النفسية قلَّت المشكلات في جميع ميادين الحياة ومنهاحياة العائلة.